مسجد ونحو هذا. قال الحاكم: وفيه دلالة على أن للأنبياء تشديد العهود والمواثيق فيما يلزمهم، ووجه ذلك أنه قال (هل عسيتم) وهذا نوع من التأكيد عليهم. وكذا يأتي في الإمام قياس ما ذكر الحاكم في النبيّ.
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً، هذا شروع في تفصيل ما جرى بينه عليه السلام وبينهم من الأقوال والأفعال، إثر الإشارة الإجمالية إلى مصير حالهم. أي قال لهم (بعد ما أوحى إليه ما أوحى) إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا أيّ ملّكه عليكم. فانتهوا في تدبير الحرب إلى أمره. وكان طالوت من سبط لم يكن الملك فيهم. وطالوت اسم أعجميّ كجالوت وداود. ولذلك لم ينصرف. وزعم قوم أنه عربيّ (من الطول) لما وصف به من البسطة في الجسم. ولكنه ليس من أبنية العرب فمنع صرفه للعلمية وشبه العجمة. وقد زعم الكتابيون أن طالوت هو المعروف عندهم بشاول. قالُوا معترضين على نبيهم بل على الله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا أي من أين يكون أو كيف يكون ذلك وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ أي لأن فينا من هو سبط الملوك دونه.
قال الحراليّ: فثنّوا اعتراضهم بما هو أشد وهو الفخر بما ادعوه من استحقاق الملك على من ملّكه الله عليهم. فكان فيه حظ من فخر إبليس حيث قال حين أمر بالسجود لآدم: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف: ١٢] .
وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ، أي فصار له مانعان: أحدهما أنه ليس من بيت الملك. والثاني أنه مملق. والملك لا بد له من مال يعتضد به.
قال الحراليّ: فكان في هذه الثالثة فتنة استصنام المال وأنه مما يقام به ملك.
وإنما الملك بإيتاء الله. فكان في هذه الفتنة الثالثة جهل وشرك، فتزايدت صنوف فتنتهم فيما انبعثوا إلى طلبه من أنفسهم.