يكل كل الخلق أمورهم. وهو غنيّ عنهم. فإنّى يتصور في حقه اتخاذ الولد، الذي هو شأن العجزة المحتاجين في تدبير أمورهم إلى من يخلفهم ويقوم مقامهم. وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٧٢]]
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢)
ْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ
جملة مستأنفة لتقرير ما سبق من التنزيه. أي: لن يأنف من أن يكون عبدا لله. فإن عبوديته شرف يتباهى به لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
من أن يكونوا عبيدا له تعالى. واحتج بالآية من زعم فضل الملائكة على الأنبياء.
قال الزمخشريّ: أي: ولا من هو أعلى منه قدرا وأعظم منه خطرا. وهم الملائكة الكروبيون. الذين حول العرش. كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ومن في طبقتهم.
ثم قال: فإن قلت: من أين دل قوله لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
على أن المعنى:
ولا من فوقه؟ قلت: من حيث إن علم المعاني لا يقتضي غير ذلك. وذلك أن الكلام إنما سيق لرد مذهب النصارى وغلوّهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية. فوجب أن يقال لهم: لن يترفع عيسى عن العبودية. ولا من هو أرفع منه درجة. كأنه قيل: لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية. فكيف بالمسيح؟ ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة، تخصيص المقربين. لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منزلة. ومثاله قول القائل.
وما مثله ممن يجاود حاتم ... ولا البحر ذو الأمواج يلتجّ زاخره
لا شبهة في أنه قصد بالبحر ذي الأمواج، ما هو فوق حاتم في الجود. ومن كان له ذوق فليذق، مع هذه الآية قوله: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى [البقرة: ١٢٠] ، حتى يعترف بالفرق البين. انتهى.
قال البيضاويّ: وجوابه أن الآية: للرد على عبدة المسيح والملائكة. فلا يتجه ذلك. وإن سلم اختصاصها بالنصارى فلعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير دون التكبير. كقولك: أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرؤوس. وإن أراد به التكبير