فغايته تفضيل المقربين من الملائكة، وهم الكروبيون، الذين هم حول العرش، أو من أعلى منهم رتبة من الملائكة، على المسيح من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا والنزاع فيه. انتهى.
قال ناصر الدين في (الانتصاف) : وقد كثر الاختلاف في تفضيل الأنبياء على الملائكة. فذهب جمهور الأشعرية إلى تفضيل الأنبياء. وذهب القاضي أبو بكر، منّا، والحليمي وجماعة المعتزلة إلى تفضيل الملائكة. واتخذ المعتزلة هذه الآية عمدتهم في تفضيل الملائكة. من حيث الوجه الذي استدل به الزمخشريّ. ونحن بعون الله نشبع القول في المسألة من حيث الآية. فنقول: أورد الأشعرية على الاستدلال بها أسئلة. أحدها- أن سيدنا محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام أفضل من عيسى عليه الصلاة والسلام. فلا يلزم من كون الملائكة أفضل من المسيح، أن تكون أفضل من محمد عليه الصلاة والسلام. وهذا السؤال إنما يتوجه إذ لم يدّع مورده أن كل واحد من آحاد الأنبياء، أفضل من كل واحد من آحاد الملائكة. وبين طائفتنا في هذه الطرف خلاف (السؤال الثاني) أن قوله لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
صيغة جمع. تتناول مجموع الملائكة. فهذا يقتضي كونه مجموع الملائكة أفضل من المسيح.
ولا يلزم أن يكون كل واحد منهم أفضل من المسيح. وفي هذا السؤال أيضا نظر. لأن مورده إذا بنى على أن المسيح أفضل من كل واحد من آحاد الملائكة، فقد يقال يلزمه القول بأنه أفضل من الكل. كما أن النبيّ عليه الصلاة والسلام، لما كان أفضل من كل واحد من آحاد الأنبياء، كان أفضل من كلهم. ولم يفرق بين التفضيل على التفصيل، والتفضيل على الجملة أحد ممن صنف في هذا المعنى. وقد كان بعض المعاصرين يفصل بين التفضيلين، وادعى أنه لا يلزم منه، على التفصيل، تفضيل على الجملة. ولم يثبت عنه هذا القول. ولو قاله أحد فهو مردود بوجه لطيف. وهو: أن التفضيل المراد، جل أماراته رفع درجة الأفضل في الجنة.
والأحاديث متوافرة بذلك. وحينئذ لا يخلوا إما أن ترفع درجة واحد من المفضولين على من اتفق على أنه أفضل من كل واحد منهم، أو لا ترفع درجة أحد منهم عليه.
لا سبيل إلى الأول. لأنه يلزم منه رفع المفضول على الأفضل. فتعين الثاني وهو ارتفاع درجة الأفضل على درجات المجموع، ضرورة. فيلزم ثبوت أفضليته على المجموع من ثبوت أفضليته على كل واحد منهم، قطعا. الثالث أنه عطف الملائكة على المسيح بالواو. وهي لا تقتضي ترتيبا. وأما الاستشهاد بالمثال المذكور على أن