للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كونه ظالما، ثم يعينه على ذلك الظلم، بل يحمله عليه ويرغّبه فيه أشد الترغيب؟

وإنما قيل للخائنين (ويختانون) مع أن الخائن واحد، لأن المراد به هو ومن عاونه من قومه، وهم يعلمون أنه سارق. أو ذكر بلفظ الجمع ليتناوله وكل من خان خيانته.

كما أنه إنما ذكر بلفظ المبالغة في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً

لأنه تعالى علم منه أنه مفرط في الخيانة وركوب المآثم. ويدل له أنه هرب إلى مكة وارتدّ. كما أسلفنا. قيل: إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات. وعن عمر رضي الله عنه، أنه أمر بقطع يد سارق. فجاءت أمه تبكي وتقول: هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه. فقال: كذبت. إن الله لا يؤاخذ عبده في أول مرة.

وقوله تعالى يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ

أي: يستترون حياء منهم وخوفا من ضررهم وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ

فلا يستحيون منه وَهُوَ مَعَهُمْ

أي: وهو عالم بهم مطلع عليهم لا يخفى عليه خاف من سرهم.

قال الزمخشريّ: وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم، مع علمهم، إن كانوا مؤمنين، أنهم في حضرته لا سترة ولا غفلة ولا غيبة، وليس إلا الكشف الصريح والافتضاح.

وقوله تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ

أي: يدبرون ويزوّرون الحلف الكاذب ورمي البريء وشهادة الزور. وقوله تعالى ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ

... الآية.

المجادلة: أشد المخاصمة. والمعنى هبوا أنكم خاصمتم عن السارق وقومه في الدنيا، فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه؟ وقوله تعالى أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا

حافظا ومحاميا من بأس الله تعالى وانتقامه.

قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة هذه الآيات وجوب الحكم من غير محاباة ولا ميل، والنهي عن التعصب والمجادلة عن كل خائن وعاص. ويدل تقييد النهي عن الجدل بالذين يختانون أنفسهم، على إباحة المجادلة. انتهى.

واعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد في هذا الباب، أتبعه بالدعوة إلى التوبة بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١١٠]]

وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠)

وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً

أي: قبيحا متعديا. يسوء به غيره، كما في القصة أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>