لحجته) من بعض. فإني أقضي بينكم على نحو ما أسمع. فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه. فإنما أقطع له قطعة من النار. يأتي بها إسطاما في عنقه يوم القيامة. فبكى الرجلان وقال كل منهما: حقي لأخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إذ قلتما، فاذهبا فاقتسما. ثم توخيا الحق بينكما. ثم استهما. ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه.
وقد رواه أبو داود «١» وزاد: إني إنما أقضي بينكما برأيي. فيما لم ينزل عليّ فيه.
انتهى.
قال السيوطيّ: وفي الآية الرد على من أجاز أن يكون الحاكم غير عالم. لأن الله تعالى فوّض الحكم إلى الاجتهاد. ومن لا علم عنده كيف يجتهد؟ انتهى. وقوله تعالى: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ. أي: لأجلهم والذبّ عنهم. وهم طعمة ومن يعينه من قومه على ما تقدم خَصِيماً أي مخاصما. وفيه أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق. وقوله تعالى: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ. أي مما قلت لقتادة، كما تقدم مفسرا.
قال الرازيّ: تمسك بهذه الآية من يرى جواز صدور الذنب من الأنبياء. وقالوا:
لو لم يقع من الرسول صلى الله عليه وسلم ذنب لما أمر بالاستغفار. ثم أجاب عن ذلك بوجوه. وقال القاضي عياض في (الشفا) : إن تصرف الأنبياء عليهم السلام بأمور لم ينهوا عنها ولا أمروا بها، ثم عوتبوا بسببها، أو أتوها على وجه التأويل- إنما هي ذنوب بالإضافة إلى عليّ منصبهم وإلى كمال طاعتهم. لا أنها كذنوب غيرهم ومعاصيهم. وأطال في هذا المقام وأطاب. ثم قال: وأيضا، فإن في التوبة والاستغفار معنى آخر لطيفا أشار إليه بعض العلماء. وهو استدعاء محبة الله. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: ٢٢٢] . انتهى. وقوله تعالى: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
أي: يخونونها بالمعصية. جعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم. كما جعلت ظلما لها لرجوع ضررها إليهم.
قال الرازيّ: واعلم أن في الآية تهديدا شديدا. وذلك لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما مال طبعه قليلا إلى جانب طعمة، وكان في علم الله أن طعمة كان فاسقا، فالله تعالى عاتب رسوله على ذلك القدر من إعانة المذنب. فكيف حال من يعلم من الظالم
(١) أخرجه في: الأقضية، ٧- باب في قضاء القاضي إذا أخطأ، حديث ٣٥٨٥.