للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتكذيب بشير وبراءة لبيد: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ... الآيات. فلما نزل القرآن في بشير وعثر عليه، هرب إلى مكة مرتدّا. فنزل على سلافة بنت سعد. فجعل يقع في النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي المسلمين. فنزل فيه: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ... [النساء:

١١٥] الآية. وهجاه حسان بن ثابت حتى رجع. وكان ذلك في شهر ربيع سنة أربع من الهجرة. انتهى.

وأما إيضاح ألفاظ الآيات وثمراتها فنقول: قوله تعالى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ. أي: بما عرفك وأعلمك وأوحى به إليك. سمي ذلك العلم بالرؤية. لأن العلم اليقيني المبرأ عن جهات الريب يكون جاريا مجرى الرؤية، في القوة والظهور.

قال الزمخشريّ: وعن عمر رضي الله عنه: لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله. فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم. ولكن ليجتهد رأيه. لأن الرأي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مصيبا. لأن الله كان يريه إياه. وهو منا الظن والتكلف.

قلت: روى هذا الأثر البيهقي في (المدخل) وابن عبد البر، بنحو ما ذكر.

قال ابن الفرس: في هذه الآية إثبات الرأي والقياس. وتعقبه السيوطيّ بما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال: إياكم والرأي. فإن الله تعالى قال لنبيه:

لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ. ولم يقل: بما رأيت. ثم قال السيوطيّ: وقال غيره:

يحتمل قوله بِما أَراكَ اللَّهُ. الوحي والاجتهاد معا. انتهى.

وقال ابن كثير: احتج من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية. وبما

ثبت في الصحيحين «١» عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته. فخرج إليهم فقال: ألا إنما أنا بشر. وإنما أقضي بنحو مما أسمع. ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له.

فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار. فليحملها أو ليذرها.

ورواه الإمام أحمد «٢» عنها أيضا بلفظ: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موارث بينهما قد درست. ليس بينهما بينة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إنكم تختصمون إليّ. وإنما أنا بشر. ولعل بعضكم ألحن بحجته (أو قد قال:


(١) أخرجه البخاريّ في: المظالم، ١٦- باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه. حديث ١٢١٢.
وأخرجه مسلم في: الأقضية، حديث ٤ و ٥.
(٢) أخرجه في المسند ٦/ ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>