[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٤١]]
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١)
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ أي: تخصون بالدعوة فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ أي:
إن شاء كشفه. والتقييد بالمشيئة لبيان أن إجابتهم غير مطّردة، بل هي تابعة لمشيئته تعالى، المبنية على حكم استأثر بعلمها وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ أي: تتركون ما تشركون تركا كليّا لعلمكم بأنها لا تضر ولا تنفع. عطف على تَدْعُونَ، وتوسيط الكشف بينهما مع تقارنهما، وتأخر الكشف عنهما، لإظهار كمال العناية بشأن الكشف والإيذان بترتبه على الدعاء خاصة.
ثم بين تعالى أن من كفار الأمم السالفة من بلغوا في القسوة إلى أن أخذوا بالشدائد ليخضعوا ويلتجئوا إلى الله تعالى، فلم يفعلوا. تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٤٢]]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ أي: رسلا، فكذبوهم ولم يبالوا، لكونهم في الرخاء، فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ أي: الشدة والقحط، وَالضَّرَّاءِ أي: المرض ونقصان الأنفس والأموال لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ أي: يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون إليه من كفرهم ومعاصيهم، فالنفوس تتخشع عند نزول الشدائد.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٤٣]]
فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)
فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا أي: بالتوبة والتمسكن. ومعناه. نفي التضرع.
كأنه قيل: فلم يتضرعوا. وجيء ب (لولا) ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم، كما قال وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ فلم يكن فيها لين يوجب التضرع، ولم يتزجروا وإنما ابتلوا به، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي: من الشرك.
فالاستدراك على المعنى لبيان الصارف لهم عن التضرع. وأنه لا مانع لهم إلا قساوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم المزينة لهم.