لخشية سلطان ظالم، أو خيفة أذية أحد من القرباء والأصدقاء.
وقال أبو السعود: خطاب لرؤساء اليهود وعلمائهم بطريق الالتفات. وأما حكام المسلمين فيتناولهم النهي بطريق الدلالة دون العبارة. والفاء لترتيب النهى على ما فصل من حال التوراة وكونها معتنى بشأنها فيما بين الأنبياء عليهم السلام، ومن يقتدي بهم من الربانيين والأحبار المتقدمين عملا وحفظا. فإن ذلك مما يوجب الاجتناب عن الإخلال بوظائف مراعاتها والمحافظة عليها بأيّ وجه كان. فضلا عن التحريف والتغيير. ولما كان مدار جراءتهم علي ذلك، خشية ذي سلطان أو رغبة في الحظوظ الدنيوية، نهوا عن كل منهما صريحا، أي إذا كان شأنها كما ذكر فلا تخشوا الناس كائنا من كانوا، واقتدوا في مراعاة أحكامها وحفظها بمن قبلكم من الأنبياء وأشياعهم وَاخْشَوْنِ في مخالفة أمري والإخلال بحقوق مراعاتها وَلا تَشْتَرُوا أي تستبدلوا بِآياتِي أي التي فيها، بأن تتركوا العمل بها وتأخذوا لأنفسكم بدلا منها ثَمَناً قَلِيلًا
من الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس، فإنها- وإن جلّت- قليلة مسترذلة في نفسها، لا سيما بالنسبة إلى ما فات عنهم بترك العمل بها وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ أي كائنا من كان، دون المخاطبين خاصة، فإنهم مندرجون فيه اندراجا أوليّا. أي: من لم يحكم بذلك مستهينا به، منكرا له كما يقتضيه ما فعلوه اقتضاء بيّنا فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ لاستهانتهم به. والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها أبلغ تقرير، وتحذير عن الإخلال به أشدّ تحذير. حيث علق فيه الحكم بالكفر بمجرد ترك الحكم بنا أنزل الله تعالى. فكيف وقد انضمّ إليه الحكم بخلافه؟ لا سيما مع مباشرة ما نهوا عنه من تحريفه ووضع غيره موضعه، وادعاء أنه من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا. قاله أبو السعود.
[تنبيهات:]
الأول: في قوله تعالى فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ دلالة على أنّ على الحاكم أن لا تأخذه في الله لومة لائم.
الثاني: في قوله تعالى وَلا تَشْتَرُوا ... إلخ دلالة على تحريم الرشا على التبديل. وكتمان الحقّ، وأنّ فعل ذلك، لغرض دنيوي من طلب جاه، أو مال- محرّم.
الثالث: في قوله وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ الآية، تغليظ في الحكم بخلاف المنصوص عليه، حيث علق عليه الكفر هنا، والظلم والفسق بعد.