مذهب الفوضى في العقل والشريعة معا. وظهرت مذاهب الإباحيين والدهريين في شعوب متعددة، وكان ذلك ويلا عليها، فوق ما رزئت به من سائر الخطوب. وكانت الأمة العربية قبائل متخالفة في النزعات، خاضعة للشهوات، فخر كل قبيلة في قتال أختها. وسفك دماء أبطالها، وسبي نسائها. وسلب أموالها. تسوقها المطامع، إلى المعامع. ويزين لها السيئات، فساد الاعتقادات. وقد بلغ العرب من سخافة العقل حدّا صنعوا أصنامهم من الحلوى ثم عبدوها. فلما جاعوا أكلوها. وبلغوا من تضعضع الأخلاق وهنا قتلوا فيه بناتهم تخلصا من عار حياتهن. أو تنصّلا من نفقات معيشتهنّ. وبلغ الفحش منهم مبلغا لم يعد معه للعفاف قيمة.
وبالجملة: فكانت ربط النظام الاجتماعيّ قد تراخت عقدها في كل أمة.
وانفصمت عراها عند كل طائفة.
أفلم يكن من رحمة الله بأولئك الأقوام أن يؤدبهم رجل منهم يوحي إليه رسالته؟ ويمنحه عنايته؟ ويمده من القوة بما يتمكن معه من كشف تلك الغمم.
التي أظلت رؤوس جميع الأمم؟ نعم، كان ذلك، وله الأمر من قبل ومن بعد. انتهى.
ثم أشار إلى تفريطهم في أمر الله الوارد على لسان موسى، وتفريطهم في حقه مع حثّه إياهم على شكر الله. ليسارعوا إلى امتثال أمره، فقال:
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أي: التي هي فوق نعمه على من سواكم، فلا تفرّطوا في أمره إذ لم يفرّط في حقكم إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ أي: وهم أكمل الخلائق ومكملوهم، ولم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً يعني: وجعلكم أحرارا تملكون أنفسكم بعد ما كنتم في أيدي القبط مملوكين، فأنقذكم الله. فسمى إنقاذهم ملكا وَآتاكُمْ أعطاكم ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ من أنواع الإكرام التي خصكم بها- كفلق البحر لهم، وإهلاك عدوّهم، وتوريثهم أموالهم، وإنزال المنّ والسلوى عليهم، وإخراج المياه العذبة من الحجر، وإظلال الغمام فوقهم ... - فمقتضى هذه النعم المبادرة إلى امتثال أوامر المنعم، شكرا له.