وقفار وأشجار، ونبات وزروع، وثمار وحيوان، ومعادن ومنافع، مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي في تعاقبهما، وكون كل منهما خلفة للآخر، بحسب طلوع الشمس وغروبها، أو في تفاوتهما بازدياد كل منهما انتقاص الآخر، وانتقاصه بازدياده لَآياتٍ أي: لأدلة واضحة على الصانع وعظيم قدرته، وباهر حكمته. والتنكير للتفخيم كمّا وكيفا، أي كثرة عظيمة لِأُولِي الْأَلْبابِ أي لذوي العقول المجلوّة بالتزكية والتصفية بملازمة الذكر دائما كما قال:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٩١]]
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ أي فلا يخلو حال من أحوالهم عن ذكر الله المفيد صفاء الظاهر المؤثر في تصفية الباطن. فالمراد تعميم الذكر للأوقات، وعدم الغفلة عنه تعالى. وتخصيص الأحوال المذكورة بالذكر، ليس لتخصيص الذكر بها، بل لأنها الأحوال المعهودة التي لا يخلو عنها الإنسان غالبا وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي في إنشائهما بهذه الأجرام العظام، وما فيهما من عجائب المصنوعات، وغرائب المبتدعات، ليدلّهم ذلك على كمال قدرة الصانع سبحانه وتعالى، فيعلموا أن لهما خالقا قادرا مدبرا حكيما، لأن عظم آثاره وأفعاله تدل على عظم خالقها تعالى. كما قيل:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
روى ابن أبي الدنيا في (كتاب التوكل والاعتبار) عن الصوفيّ الجليل الشيخ أبي سليمان الدارانيّ قدس الله سره أنه قال: إني لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليّ فيه نعمة، ولي فيه عبرة. وإنما خصص التفكر بالخلق، للنهي عن التفكر في الخالق لعدم الوصول إلى كنه ذاته وصفاته.
خرّج ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن سلام: لا تفكروا في الله، ولكن تفكروا فيما خلق، وله شواهد كثيرة.
قال الرازيّ: دلائل التوحيد محصورة في قسمين: دلائل الآفاق، ودلائل الأنفس، ولا شك أن دلائل الآفاق أجل وأعظم، كما قال تعالى: لَخَلْقُ السَّماواتِ