قال أبو السعود: وإخراجه سبحانه من حكم الدعاء، للتنصيص على براءتهم منه تعالى، وكونهم في عدوة المضادة والمشاقّة، لا لبيان استبداده تعالى بالقدرة على ما كلّفوه، فإن ذلك مما يوهم أنهم لو دعوه تعالى لأجابهم إليه.
بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ إضراب وانتقال عن إظهار بطلان ما قالوا في حق القرآن العظيم بالتحدي، إلى إظهاره ببيان أنه كلام ناشئ عن جهلهم بشأنه الجليل. أي سارعوا إلى التكذيب به، وفاجؤوه في بديهة السماع، وقبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره، وقبل أن يتدبروه، ويقفوا على تأويله ومعانيه وما في تضاعيفه من الشواهد الدالة على كونه ليس مما يمكن أن يقدر عليه مخلوق، وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم، وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم، كالناشئ على التقليد من الحشوية، إذا أحس بكلمة لا توافق ما نشأ عليه وألفه، وإن كانت أضوأ من الشمس في ظهور الصحة، وبيان الاستقامة، أنكرها في أول وهلة، واشمأز منها، قبل أن يحس إدراكها بحاسة سمعه من غير فكر في صحة أو فساد، لأنه لم يشعر قلبه إلا صحة مذهبه، وفساد ما عداه من المذاهب. وسر التعبير بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ الإيذان بكمال جهلهم به، وأن تكذيبهم به إنما هو بسبب عدم علمهم به- كذا في الكشاف وأبي السعود- وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ أي بيان ما يؤول إليه، مما توعدهم فيه. وهذا المعنى هو الصحيح في الآية. وقد مشى عليه غير واحد.
قال في (تنوير الاقتباس) : أي عاقبة ما وعدهم في القرآن.
وقال الجلال: أي عاقبة ما فيه من الوعيد.
وقال القاشانيّ: تأويله: أي ظهور ما أشار إليه في مواعيده، وأمثاله مما يؤول أمره وعلمه إليه، فلا يمكنهم التكذيب، لأنه إذا ظهرت حقائقه لا يمكن لأحد تكذيبه.