ومن أمثلة هذا القسم جميع ما حكي عن المتقدمين من الأمم السالفة مما كان حقّا. كحكايته عن الأنبياء والأولياء. ومنه قصة ذي القرنين، وقصة الخضر مع موسى عليه السلام، وقصة أصحاب الكهف. وأشباه ذلك.
ثم قال الشاطبيّ: فصل
ولا طّراد هذا الأصل اعتمده النظار. فقد استدل جماعة من الأصوليين على أن الكفار مخاطبون بالفروع بقوله تعالى: قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ... [المدثر: ٤٣- ٤٤] الآية، إذ لو كان قولهم باطلا لردّ عند حكايته.
واستدل على أن أصحاب الكهف سبعة وثامنهم كلبهم بأن الله تعالى لما حكى من قولهم إنهم ثلاثة رابعهم كلبهم وإنهم خمسة سادسهم كلبهم، أعقب ذلك بقوله رَجْماً بِالْغَيْبِ [الكهف: ٢٢] ، أي ليس لهم دليل ولا علم غير اتباع الظن.
ورجم الظنون لا يغني من الحق شيئا، ولما حكى قولهم سبعة وثامنهم كلبهم لم يتبعه بإبطال، بل قال: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [الكهف: ٢٢] ، دلّ المساق على صحته دون القولين الأولين. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: أنا من ذلك القليل الذي يعلمهم. ورأيت منقولا عن سهل بن عبد الله أنه سئل عن قول إبراهيم عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [البقرة: ٢٦٠] ، فقيل له: أكان شاكّا حين سأل ربه أن يريه آية؟ فقال: لا، وإنما كان طلب زيادة إيمان إلى إيمان. ألا تراه قال: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى [البقرة: ٢٦٠] ، فلو علم منه شكا لأظهر ذلك، فصح أن الطمانينة كانت على معنى الزيادة في الإيمان. بخلاف ما حكى الله عن قوم من الأعراب في قوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا [الحجرات: ١٤] فإن الله تعالى رد عليهم بقوله: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ١٤] .
ومن تتبع مجاري الحكايات في القرآن، عرف مداخلها وما هو منها حق مما هو باطل. فقد قال تعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون: ١] ، إلى آخرها، فإن هذه الحكاية ممزوجة الحق بالباطل، فظاهرها حق وباطنها كذب، من حيث كان إخبارا عن المعتقد، وهو غير مطابق، فقال تعالى: