[التوبة: ٨٣] وبالجملة، فأمثال هذه الآيات توجب لهم الذل العظيم. فكانت معدودة في مصائبهم. وإنما يصيبهم ذلك لأجل نفاقهم.
الثالث- قال أبو مسلم الأصفهانيّ: إنه تعالى لمّا أخبر عن المنافقين أنهم رغبوا في حكم الطاغوت وكرهوا حكم الرسول، بشّر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ستصيبهم مصائب تلجئهم إليه وإلى أن يظهروا له الإيمان به، وإلى أن يحلفوا بأن مرادهم الإحسان والتوفيق. قال: ومن عادة العرب عند التبشير والإنذار أن يقولوا: كيف أنت إذا كان كذا وكذا؟ ومثاله. قوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء: ٤١] ، وقوله فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران: ٢٥] .
ثم أمره تعالى، إذا كان منهم ذلك، أن يعرض عنهم ويعظهم. انتهى.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦٣]]
أُولئِكَ إشارة إلى المنافقين الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق والميل إلى الباطل وإن أظهروا إسلامهم وعذرهم بحلفهم فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أي لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم ولا تزد على كفهم، بالموعظة والنصيحة عما هم عليه وَعِظْهُمْ أي ازجرهم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً أي مؤثرا وأصلا إلى كنه المراد. فإن قيل: بم تعلق قوله تعالى فِي أَنْفُسِهِمْ؟ فالجواب: بقوله بَلِيغاً على رأي من يجيز تقديم معمول الصفة على الموصوف. أي قل لهم قولا بليغا في أنفسهم مؤثرا في قلوبهم يغتمون به اغتماما.
ويستشعرون منه الخوف استشعارا. وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق وأطلع قرنه. وأخبرهم أن ما في نفوسهم من الدغل والنفاق، معلوم عند الله.
وإنه لا فرق بينكم وبين المشركين. وما هذه المكافّة إلا لإظهاركم الإيمان وإسراركم الكفر وإضماره. فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف. أو يتعلق بقوله قُلْ لَهُمْ أي: قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النّفاق، قولا بليغا. وإن الله يعلم ما في قلوبكم. لا يخفى عليه. فلا يغني عنكم إبطانه فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق. وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك، من انتقامه، وشرّا من ذلك وأغلظ. أو قل لهم في أنفسهم خاليا بهم، ليس معهم غيرهم، مسارّا لهم بالنصيحة، لأنها في السر أنجع وفي الإمحاض