خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين، وربما زادوا في عدد الشهور، فيجعلونها ثلاثة عشر، أو أربعة عشر، ليتسع لهم الوقت. ولذلك قال عز وعلا إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً يعني من غير زيادة زادوها فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ بتركهم التخصيص للأشهر بعينها زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ فاعتقدوا قبيحها حسنا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.
[اعلم أن في هاتين الآيتين مسائل:]
الأولى- أن الأحكام تعلق بالأشهر العربية، وهي شهور الأهلة، دون الشهور الشمسية. قيل: جعل أول الشهور الهلالية المحرم، حدث في عهد عمر رضي الله عنه، وكان قبل ذلك يؤرخ بعام الفيل. ثم أرخ في صدر الإسلام بربيع الأول. وقد نقل ابن كثير هنا عن السخاوي وجوه تسمية الأشهر بما سميت به، ونحن نورد ذلك مأثورا عن أمهات اللغة المعول عليها فنقول:
١- المحرم: على أنه اسم المفعول، هو أول الشهور العربية. أدخلوا عليه الألف واللام لمحا للصفة في الأصل، وجعلوها علما بهما، مثل النجم والدبران ونحوهما، ولا يجوز دخولهما على غيره من الشهور عند قوم، وعند قوم يجوز على صفر وشوال. وجمع المحرم محرمات. والمحرم شهر الله، سمته العرب بهذا الاسم، لأنهم كانوا لا يستحلون فيه القتال، وأضيف إلى الله تعالى إعظاما له، كما قيل للكعبة (بيت الله) . وقيل: سمي بذلك، لأنه من الأشهر الحرم. قال ابن سيده: وهذا ليس بقوي.
٢- صفر: الشهر الذي بعد المحرم. قال بعضهم: إنما سمي لأنهم كانوا يمتارون الطعام فيه من المواضع. وقيل: لإصفار مكة من أهلها إذا سافروا. وروي عن رؤية أنه قال: سموا الشهر (صفرا) ، لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل، فيتركون من لقوا صفرا من المتاع، وذلك أن صفرا بعد المحرم، فقالوا: صفر الناس منا صفرا. قال ثعلب: الناس كلهم يصرفون صفرا إلا أبا عبيدة، فمنعه للعلمية والتأنيث، بإرادة الساعة، يعني أن الأزمنة كلها ساعات، وإذا جمعوه مع المحرم قالوا:(صفران) ، ومنه قول أبي ذؤيب:
أقامت به كمقام الحني ... ف شهري جمادى وشهري صفر
(استشهد به في اللسان في مادة (ص ف ر) وليس في ديوان الهذليين) .