خبرهما وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أي فرجه ورحمته المريحة من الشدة. إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ لم يقل (منه) إشارة إلى ظهور حصوله لمن لم ييأس- إِلَّا الْكافِرُونَ أي بالله ورحمته، وقدرته على إفاضة الرّوح، بعد مضي المدة في الشدة وسنته في إفاضة اليسر مع العسر، لا سيّما في حق من أحسن الظن به.
وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٨٨]]
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ أي على يوسف بعد ما رجعوا من مصر، ولانفهامه من المقام طوى ذكره إيجازا قالُوا: يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ أي: الملك القادر، المتمنع مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ أي: الشدة من الجدب. وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ أي: بدراهم قليلة في مقابلة ما نمتاره. استقلوا الثمن واستحقروه اتضاعا لهيبة الملك، واستجلابا لرأفته وحنانه. وأصل معنى (التزجية) : الدفع والرمي، فكنوا به عن القليل الذي يدفع، رغبة عنه، لذلك فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ أي: أتممه ووفره بهذه الدراهم المزجاة، كما توفره بالدراهم الجياد. وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا أي: بردّ أخينا، أو بالإيفاء، أو بالمسامحة وقبول ما لا يعد عوضا. إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ أي يثيبهم أحسن المثوبة.
[تنبيهات:]
الأول- في الآية إرشاد إلى أدب جليل، وهو تقديم الوسائل أمام المآرب، فإنها أنجح لها. وهكذا فعل هؤلاء: قدموا ما ذكر من رقة الحال، والتمسكن، وتصغير العوض، ولم يفجئوه بحاجتهم، ليكون ذريعة إلى إسعاف مرامهم، ببعث الشفقة، وهز العطف والرأفة وتحريك سلسلة الرحمة- كما قدمنا- ومن ثم، رقّ لهم، وملكته الرحمة عليهم، فلم يتمالك أن عرّفهم نفسه، كما يأتي- الثاني- يؤخذ من الآية جواز شكوى الحاجة لمن يرجى منه إزالتها.
الثالث- استدل بعضهم بقوله تعالى: فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ على أن أجرة الكيال على البائع، لأنه إذا كان عليه توفية الكيل، فعليه مؤنته، وما يتم به.
الرابع- استدل بقوله تعالى: وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا من قال: إن الصدقة لم تكن