للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل هذا مما تشمله الآية بعمومها. وما نقله السمرقنديّ وغيره عن الفراء في قوله تعالى: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ أن إِلَّا بمعنى (لا) يعني: ولا من ظلم- فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه: فإن الآية صريحة في أنه يجوز للمظلوم أن يتكلم بالكلام الذي هو من السوء في جانب من ظلمه. ويؤيده

الحديث الذي رواه الإمام أحمد «١» وأبو داود والنسائيّ وابن ماجة والحاكم، عن الشريد بن سويد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «٢» : ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته.

وأما من لم يظلم فجهره بالسوء داخل في الغيبة المحظورة.

[فوائد:]

قال بعض مفسري الزيدية: أفادت الآية جواز الجهر بالدعاء على الظالم والجهر بمساويه. ودلت على أن من جهر بكلمة الكفر مكرها، لم يكفر. لأنه مظلوم. وإذا ثبت بطلان حكم لفظ (الكفر) مع الظلم، فكذا يلزم في سائر الأحكام من البيع والعتاق والطلاق والإقرار. ثم قال: والمحبة هاهنا بمعنى الإباحة. لا أن ذلك يريده الله تعالى.

أقول: هذه نزغة اعتزالية.

ثم قال: وتسميته سوءا، لكونه يسوء المقول فيه. وإلا فليس بقبيح في هذه الحال.

ثم قال: وقول من قال (إلا) هنا بمعنى (الواو) أي: ومن ظلم، مثل:

وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان

فخلاف الظاهر. انتهى.

وقد نقل في معنى هذه الآية حكم ونوادر بديعة. قال الشعبيّ: يعجبني الرجل إذا سيم هونا، دعته الأنفة إلى المكافأة. وجزاء سيئة سيئة مثلها، فبلغ كلامه الحجاج فقال: لله دره! أي رجل بين جنبيه! وتمثل:

ولا خير في عرض امرئ لا يصونه ... ولا خير في حلم امرئ ذل جانبه

وقال أعرابيّ لابن عباس رضي الله عنهما: أتخاف عليّ جناحا إن ظلمني رجل


(١) أخرجه في المسند ٤/ ٢٢٢.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الاستقراض، ١٣- باب لصاحب الحق مقال.

<<  <  ج: ص:  >  >>