الأدلة المفضية إلى معالم الهدى. المنحّية عن فيافي الضلالة ومهاوي الردى.
الثالثة- الضمير في وَمِنْها جائِرٌ للسبيل. فإنها تؤنث. أي: وبعض السبيل مائل عن الحق، منحرف عنه، لا يوصل سالكه إليه. وهو طرق الضلالة التي لا يكاد يحصى عددها، المندرج كلها تحت الجائر. كقوله تعالى: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: ١٥٣] .
قال أبو السعود، بعد ما تقدم أي: وعلى الله تعالى بيان الطريق المستقيم الموصل إلى الحق وتعديله، بما ذكر من نصب الأدلة ليسلكه الناس باختيارهم ويصلوا إلى المقصد- وهذا هو الهداية المفسرة بالدلالة على ما يوصل إلى المطلوب. لا الهداية المستلزمة للاهتداء البتة. فإن ذلك مما ليس بحق على الله تعالى. لا بحسب ذاته ولا بحسب رحمته. بل هو مخلّ بحكمته، حيث يستدعي تسوية المحسن والمسيء، والمطيع والعاصي، بحسب الاستعداد. وإليه أشير بقوله تعالى: وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ أي لو شاء أن يهديكم إلى ما ذكر من التوحيد، هداية موصلة إليه البتة، مستلزمة لاهتدائكم أجمعين، لفعل ذلك. ولكن لم يشأه.
لأن مشيئته تابعة للحكمة الداعية إليها. ولا حكمة في تلك المشيئة. لما أن الذي عليه يدور فلك التكليف، وإليه ينسحب الثواب والعقاب، إنما هو الاختيار الذي عليه يترتب الأعمال، التي بها نيط الجزاء.
ولما كان أشرف أجسام العالم السفليّ، بعد الحيوان، النبات، تأثر ما مرّ من الإنعام بالأنعام والدواب، التي يستدل بها على وحدته تعالى، بذكر عجائب أحوال النبات، للحكمة نفسها. فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠ الى ١١]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ أي المزن ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ يسكن حرارة العطش وَمِنْهُ شَجَرٌ أي ومنه يحصل شجر. والمراد به ما ينبت من الأرض، سواء كان له ساق أو لا، فِيهِ تُسِيمُونَ أي ترعون أنعامكم يُنْبِتُ أي الله عزّ وجلّ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ أي الذي فيه قوت الإنسان وَالزَّيْتُونَ أي الذي فيه إدامه