للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي ترحما منا عليه بهذا الإضعاف والمباركة وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ أي وتذكيرا لهم لينتظروا الفرج بالصبر والنوال بصدق الاتكال.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (٣٨) : آية ٤٤]]

وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)

وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً أي حزمة صغيرة فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً أي في كل ما ابتليناه به نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ أي كثير الرجوع إلى الله تعالى، بالإنابة والابتهال والعبادة.

[تنبيهات:]

الأول- كان أيوب عليه السلام نبيا غنيا من أرباب العقار والماشية، وكان أميرا في قومه. وكانت أملاكه ومنزله في الجنوب الشرقيّ من البحر الميت، بين بلاد أدوم وصحراء العربية. وكانت إذ ذاك خصيبة رائعة التربة كثيرة المياه المتسلسلة.

وكان زمنه بعد زمن إبراهيم وقبل زمن موسى عليهم السلام. هذا ما حققه بعض الباحثين. والله أعلم.

الثاني- يذكر كثير من المفسرين هاهنا مرويات وقصصا إسرائيلية في ابتلائه عليه السلام. ولا وثوق من ذلك كله إلا بمجمله. وهو ما أشار له التنزيل الكريم لأنه المتيقن. وهو أنه عليه الصلاة والسلام أصابته بلوى عظيمة في نفسه وماله وأهله.

وأنه صبر على ذلك صبرا صار يضرب به المثل لثباته وسعة صدره وشجاعته. وأنه جوزي بحسنة صبره أضعافها المضاعفة.

الثالث- قال الزمخشري: فإن قلت: لم نسب المسّ إلى الشيطان ولا يجوز أن يسلطه الله على أنبيائه، ليقضي من إتعابهم وتعذيبهم وطره، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحا إلا وقد نكبه وأهلكه. وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب؟

قلت: لما كانت وسوسته إليه، وطاعته له فيما وسوس، سببا فيما مسّه الله به من النصب والعذاب- نسبه إليه. وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه، مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو. وقيل: أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء، ويغريه على الكراهة والجزع، فالتجأ إلى الله تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>