للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب والسنة على أن أكرم الناس عند الله أتقاهم.

وفي السنن «١» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا فضل لعربيّ على عجميّ، ولا لعجمي على عربيّ ولا لأسود على أبيض، ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى» .

وعنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال «٢» : «إن الله تعالى أذهب عنكم عبّية الجاهلية وفخرها بالآباء. الناس رجلان: مؤمن تقيّ وفاجر شقي» .

[فصل]

وليس من شرط وليّ الله أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين، حتى يحسب بعض الأمور مما أمر الله به، مما نهى الله عنه. ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله تعالى، وتكون من الشيطان لبّسها عليه، لنقص درجته، ولا يعرف أنها من الشيطان، وإن لم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى. فإن الله سبحانه وتعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولم يؤثّم النبيّ صلى الله عليه وسلم المجتهد المخطئ بل جعل له أجرا على اجتهاده، وجعل خطأه مغفورا له، ولهذا لما كان وليّ الله يجوز أن يغلط، لم يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله من هو وليّ الله، إلا أن يكون نبيّا، بل ولا يجوز لوليّ الله أن يعتمد على ما يلقى إليه في قلبه، إلا أن يكون موافقا، وعلى ما يقع له مما يراه إلهاما ومحادثة وخطابا من الحق، بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فإن وافقه قبله وإن خالفه لم يقبله، وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف توقف فيه. والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: طرفان ووسط. فمنهم من إذا اعتقد في شخص أنه وليّ الله وافقه في كل ما يظن أنه حدثه به قلبه عن ربه، وسلم إليه جميع ما يفعله. ومنهم من إذا رآه قد قال أو فعل ما ليس بموافق للشرع، أخرجه عن ولاية الله بالكلية، وإن كان مجتهدا مخطئا، وخيار الأمور أوساطها. وهو ألا يجعل معصوما ولا مأثوما، إذا كان مجتهدا مخطئا، فلا يتبع في كل ما يقوله، ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده. والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله.

وأما إذا خالف قول بعض الفقهاء. ووافق قول آخرين، لم يكن لأحد أن يلزمه بقول المخالف، ويقول: هذا خالف الشرع!


(١) أخرجه أحمد في مسنده ٥/ ٤١١.
(٢) أخرجه أبو داود في: الأدب، ١١١- باب في التفاخر بالأحساب، حديث رقم ٥١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>