للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس بين الخبرين تعارض. لأن هذا توقف فهم معنى الآية عليه، بخلاف الأول. فإذا كان الأمر هكذا فاللازم الاعتناء بفهم معنى الخطاب، لأنه المقصود والمراد. وعليه ينبني الخطاب ابتداء. وكثيرا ما يغفل هذا النظر بالنسبة للكتاب والسنة، فتلتمس غرائبه ومعانيه على غير الوجه الذي ينبغي، فتستبهم على الملتمس، وتستعجم على من لم يفهم مقاصد العرب، فيكون عمله في غير معمل، ومشيه على غير طريق. والله الواقي برحمته.

[فصل في أن بيان الصحابة حجة إذا أجمعوا]

قال الشاطبيّ في الموافقات: بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان صحيح لا إشكال في صحته. لأنه لذلك بعث. قال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: ٤٤] ، ولا خلاف فيه. وأما بيان الصحابة، فإن أجمعوا على ما بينوه، فلا إشكال في صحته أيضا. كما أجمعوا على الغسل من التقاء الختانين المبيّن لقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة: ٦] ، وإن لم يجمعوا عليه، فهل يكون بيانهم حجة أم لا؟ هذا فيه نظر وتفصيل، ولكنهم يترجح الاعتماد عليهم في البيان من وجهين:

أحدهما: معرفتهم باللسان العربيّ، فإنهم عرب فصحاء، لم تتغير ألسنتهم، ولم تنزل عن رتبتها العليا فصاحتهم، فهم أعرف في فهم الكتاب والسنة من غيرهم، فإذا جاء عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان، صح اعتماده من هذه الجهة.

والثاني: مباشرتهم للوقائع والنوازل، وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة، فهم أقعد في فهم القرائن الحالية، وأعرف بأسباب التنزيل، ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك. والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات، أو تخصيص بعض العمومات، فالعمل عليه صواب.

هذا، إن لم ينقل عن أحد منهم خلاف في المسألة. فإن خالف بعضهم، فالمسألة اجتهادية. مثاله قوله عليه السلام: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر «١» ،


(١)
أخرجه أبي داود، في الصوم، باب ما يستحب من تعجيل الفطر حديث رقم ٣٥٣، ونصه: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الدين ظاهرا ما عجّل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرونه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>