وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ أي ممن تقدم بالهجرة والنصرة.
وقيل: عني بالفريق الأول من صلى إلى القبلتين، أو من شهد بدرا، أو من أسلم قبل الهجرة وبالثاني أهل بيعة العقبة الأولى، وكانوا سبعة نفر، وأهل العقبة الثانية، وكانوا سبعين، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير، فعلمهم القرآن.
واختار الرازي الوجه الأول. قال: والصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة وفي النصرة، والذي يدل عليه أنه ذكر كونهم سابقين، ولم يبين أنهم سابقون فماذا، فبقي اللفظ مجملا، إلا أنه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارا، فوجب صرف ذلك اللفظ إلى ما به صاروا مهاجرين وأنصارا، وهو الهجرة والنصرة، فوجب أن يكون المراد منه السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ في الهجرة والنصرة، إزالة للإجمال عن اللفظ. وأيضا فالسبق إلى الهجرة طاعة عظيمة، من حيث إن الهجرة فعل شاق على النفس، ومخالف للطبع، فمن أقدم عليه أولا، صار قدوة لغيره في هذه الطاعة، وكان ذلك مقوّيا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام، وسببا لزوال الوحشة عن خاطره، وكذلك السبق في النصرة، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة، فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة فازوا بمنصب عظيم.
وقرئ (الأنصار) بالرفع، عطفا على السَّابِقُونَ.
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ أي سلكوا سبيلهم بالإيمان والطاعة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لأن الهجرة أمر شاق على النفس، لمفارقة الأهل والعشيرة. والنصرة منقبة شريفة، لأنها إعلاء كلمة الله، ونصر رسوله وأصحابه والإحسان من أحوال المقربين أو مقاماتهم- قاله المهايمي- وَرَضُوا عَنْهُ بما وفقهم إليه من الإيمان والإحسان، وما آتاهم من الثواب والكرامة وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ وذلك بدل ما تركوا من دورهم وأهليهم، وبدل ما أعطوه للمهاجرين من أموالهم، ولغرسهم جنات القرب في قلوبهم، وإجرائهم أنهار المعارف في قلوبهم وقلوب من اتبعوهم بهذه الهجرة والنصرة والإحسان- قاله المهايمي.