فكواه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أكحله. وقال سعد: اللهم! إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا، فأبقني لها: فإنه لا قوم أحب إليّ أن أجاهد، من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه. اللهم! وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعل لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. فاستجاب الله تعالى دعاءه وقدّر عليهم أن نزلوا على حكمه باختيارهم، طلبا من تلقاء أنفسهم.
ثم لما استنزلوا من حصونهم، حبسهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة في دار. ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرسالا، وفيهم عدو الله حييّ بن أخطب وكعب ابن أسد رأس القوم. وهم ستمائة أو سبعمائة. وسبي من لم ينبت منهم مع النساء وأموالهم، وهذا ما ذكره تعالى من أمر بني قريظة، إثر أمر الخندق بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ أي عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب الرسول صلّى الله عليه وسلّم مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعني بني قريظة. وهم طائفة من اليهود، كان نزل آباؤهم الحجاز لما فرّوا من الاضطهاد وتشتتوا كل شتات في أطراف البلاد مِنْ صَياصِيهِمْ أي حصونهم وآطامهم التي كانوا فيها وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أي الخوف، جزاء وفاقا.
قال ابن كثير: لأنهم كانوا مالئوا المشركين على حرب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وليس من يعلم كمن لا يعلم- وأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليعزوا في الدنيا. فانعكس عليهم الحال وانقلب إليهم القتال، لما انشمر المشركون وراحوا بصفقة المغبون.
فكما راموا العز ذلوا. وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا. ولهذا قال تعالى:
فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً يعني قتل الرجال المقاتلة، وسبي الذراري والنساء.
روى الإمام أحمد «١» عن عطية القرظيّ قال: عرضت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم قريظة