وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أي أخرجوه من السجن وأحضروه، لما علم من علمه وفضله، فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ أي يستدعيه إلى الملك قالَ أي يوسف له:
ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ أي سيدك الملك، فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ أي ما شأنهن وخبرهن؟ أمره بأن يسأله ويستفهمه عن ذلك، ولم يكشف له عن القصة، ولا أوضحها له، لأن السؤال مجملا، مما يهيج الملك على الكشف والبحث والاستعلام، فتحصل البراءة. وإنما كان السؤال المجمل يهيج الإنسان، ويحركه للبحث عنه، لأنه يأنف من جهله وعدم علمه به، ولو قال: سله أن يفتش عن ذلك، لكان طلبا للفحص عنه، وهو مما يتسامح ويتساهل به، وفيه جرأة عليه، فربما امتنع منه، ولم يلتفت إليه.
قال الزمخشري: إنما تأنى وتثبت في إجابة الملك، وقدم سؤال النسوة، ليظهر براءة ساحته عما قرف به وسجن فيه، لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده، ويجعلوه سلّما إلى حط منزلته لديه، ولئلا يقولوا: ما خلد في السجن إلا لأمر عظيم وجرم كبير، حق به أن يسجن ويعذب، ويستكفّ شره، وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها.
قال عليه السلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفنّ مواقف التهم.
ومنه قال «١» رسول الله صلى الله عليه وسلم للمارين به في معتكفه، وعنده بعض نسائه: هي فلانة، اتقاء للتهمة.
وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره، والله يغفر له، حين سئل عن البقرات العجاف والسمان. ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني. ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبثت، لأسرعت الإجابة، وبادرتهم الباب، ولما ابتغيت العذر، إن كان لحليما ذا أناة. انتهى.
رواه عبد الرزاق في مصنفه مرسلا عن عكرمة.
(١) أخرجه البخاريّ في: الاعتكاف، ٨- باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد، حديث ١٠٣١، عن صفية، زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم.