إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ استئناف مقرر لما قبله من الأمر بالإصلاح، فإن من لوازم الإخوة أن يصطلحوا.
قال الشهاب: وتسمية المشاركة في الإيمان أخوّة تشبيه بليغ، أو استعارة شبه المشاركة فيه بالمشاركة في أصل التوالد، لأن كلّا منهما أصل للبقاء، إذ التوالد منشأ الحياة، والإيمان منشأ البقاء الأبديّ في الجنان.
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ أي إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله، وحكم رسوله.
قال القاشانيّ: بيّن تعالى أن الإيمان الذي أقل مرتبته التوحيد والعمل، يقتضي الأخوة الحقيقية بين المؤمنين، للمناسبة الأصلية، والقرابة الفطرية، التي تزيد على القرابة الصورية، والنسبة الولادية، بما لا يقاس، لاقضائه المحبة القلبية، لا المحبة النفسانية، المسببة عن التناسب في اللحمة. فلا أقل من الإصلاح الذي هو من لوازم العدالة، وأحد خصالها، إذ لو لم يعدوا عن الفطرة، ولم يتكدروا بغواشي النشأة، لم يتقاتلوا، ولم يتخالفوا. فوجب على أهل الصفاء، بمقتضى الرحمة والرأفة والشفقة اللازمة للأخوة الحقيقية، الإصلاح بينهما، وإعادتهما إلى الصفاء. انتهى.
[تنبيه:]
وضع الظاهر موضع المضمر مضافا إلى المأمورين، للمبالغة في التقرير والتخصيص. وتخصيص الاثنين بالذكر دون الجمع، لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان. فإذا لزمت المصالحة بين الأقل، كانت بين الأكثر ألزم، لأن الفساد في شقاق الجمع، أكثر منه في شقاق الاثنين- أفاده القاضي والزمخشريّ-.
وفي معنى الآية أحاديث كثيرة:
كحديث «١»
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه
(١) أخرجه البخاري في: المظالم والغصب، ٣- باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، حديث ١٢٠٢، عن ابن عمر. [.....]