التنور، وكان هو العلامة بينه وبين الله تعالى في ابتداء الطوفان، ركب الفلك هو ومن آمن معه، وحمل من كلّ زوجين اثنين. وأمر الله تعالى السماء أن تمطر. والأرض أن تتفجر عيونا، وارتفع الماء في هذا الطوفان فوق رؤوس الجبال، فهلك جميع ما على الأرض من جنس الحيوان، ولم يبق حيّا غير أهل السفينة.
وفي التوراة: أن الأمطار هطلت أربعين يوما وليلة دون انقطاع، حتى غمرت المياه وجه الأرض، وعلت خمسة عشر ذراعا فوق الجبال الشامخة، وهلك بالطوفان كل جسم حي. ثم أرسل الله ريحا عاصفة، فانقطعت الأمطار ونقصت المياه شيئا فشيئا، وقضى نوح سنة كاملة داخل الفلك. وحين خروجه منه بنى مذبحا للقرابين، شكرا لله تعالى، وتناسلت الناس من أولاد نوح الثلاثة: سام وحام ويافث. وتوطن سام بلاد آسية، وأقام حام بنواحي إفريقية، وسكن يافث الديار الأوروبية- والله أعلم
[تنبيه:]
قال الجشمي: في الآيات فوائد. منها: أن نوحا دعاهم أولا إلى التوحيد.
والرسول وإن حمل الشرائع، فلا طريق له إلى بيان الشرائع إلا بعد العلم بالتوحيد.
ولأنهم لا ينتفعون بذلك إلا بعد اعتقاد التوحيد، فلذلك بدأ به. وجميع الرسل بدءوا بالتوحيد ثم بالشرائع. ولذلك كان أكثر حجاج نبينا عليه السلام، بمكة، في التوحيد- انتهى-.
وقال ابن كثير: بين تعالى في هذه القصة أنه انتقم لأوليائه من أعدائه، وأنجى رسوله والمؤمنين، وأهلك أعداءهم الكافرين، كقوله: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا [غافر: ٥١] . الآية- وهذه سنة الله في عباده، في الدنيا والآخرة، أن العاقبة للمتقين، والظفر والغلب لهم، كما أهلك قوم نوح بالغرق، ونجى نوحا وأصحابه المؤمنين. قال مالك عن زيد بن أسلم: كان قوم نوح قد ضاق بهم السهل والجبل.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما عذب الله قوم نوح إلا والأرض ملأى بهم، وليس بقعة من الأرض إلا ولها مالك وحائز.