للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤)

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ افتتح تعالى هذه السورة بالقسم ببعض مخلوقاته، إظهارا لعظم شأنها وكبر فوائدها. وتنبيها إلى الاعتبار بصفتها وما تستدعيه من سمتها. و (الصافات) جمع صافة، أي طائفة صافة، أو جماعة صافة. فيكون في المعنى جمع الجمع. أو على تأنيث مفردة باعتبار أنه ذات ونفس، والمراد بالصفات الملائكة. لقيامها مصطفة في مقام العبودية لمالك الملك. من قوله تعالى: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ [الصافات: ١٦٥] ، أو لصفها أجنحتها في الهواء واقفة منتظرة لأمر الله تعالى. وفَالزَّاجِراتِ أي: الناس عن المعاصي، بإلهام الخير. من (الزجر) بمعنى المنع والنهي. أو الزاجرات الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به. من (الزجر) بمعنى السوق والحث.

و (التاليات) أي: آياته تعالى على أنبيائه عليهم السلام، وقيل: الصافات الطير. من قوله تعالى: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ [النور: ٤١] ، و (الزاجرات) ، كل ما زجر عن معاصي الله. و (التاليات) كل من تلا كتاب الله. أو هم العلماء الصافون في العبادات أقدامهم، الزاجرون عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح، التالون آيات الله وشرائعه.

أو هم الغزاة الصافون في الجهاد والزاجرون الخيل أو العدوّ، التالون لذكر الله، لا يشغلهم فيها عنه مبارزة العدوّ. وقد ذكر غير هذا، مما يشمله اللفظ ولا يأباه.

وبالجملة، فالعطف إما لاختلاف الذوات أو الصفات. وإيثار الفاء على (الواو) لقصد الترتيب والتفاضل طردا أو عكسا. أما الأول فاعتناء بالأهم فالأهم. وأما الثاني فالترقي إلى الأعلى. و (صفا) و (زجرا) مصدر مؤكد. وكذا (ذكرا) ويجوز فيه كونه مفعولا به. قال الناصر: وفي هذه الآية دلالة على مذهب سيبويه والخليل في مثل وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى [الليل: ١- ٢] ، فإنهما يقولان: الواو الثانية وما بعدها عواطف. وغيرهما يذهب إلى أنها حروف قسم. فوقوع الفاء في هذه الآية موقع

<<  <  ج: ص:  >  >>