ولما خرج بلال إلى الشام، وأقام فيها مجاهدا، قال له عمر: إلى من نجعل ديوانك؟ قال: مع أبي رويحة، لا أفارقه أبدا، للأخوّة التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عقد بينه وبيني. فضم إليه، وضم ديوان الحبشة إلى خثعم، لمكان بلال منهم.
قال ابن إسحاق. فهؤلاء من سمى لنا ممن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بينهم من أصحابه.
[تنبيه:]
نقل الواحدي عن ابن عباس وغيره، أن المراد من هذه الولاية، هي الولاية في الميراث. قال ابن كثير: لما تآخوا كانوا يتوارثون بذلك إرثا مقدما على القرابة، حتى نسخ الله ذلك بالمواريث. ثبت ذلك في صحيح البخاري عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغير واحد.
قال الخفاجي: فكان المهاجري يرثه أخوه الأنصاري، إذا لم يكن له بالمدينة وليّ مهاجري، ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجري. واستمر أمرهم على ذلك إلى فتح مكة، ثم توارثوا بالنسب بعد، إذ لم تكن هجرة. و (الولي) القريب والناصر. لأن أصله القرب المكانيّ، ثم جعل للمعنوي، كالنسب والدين والنصرة.
فقد جعل صلّى الله عليه وسلّم، في أول الإسلام، التناصر الديني أخوّة، وأثبت لها أحكام الأخوّة الحقيقة من التوارث، فلا وجه لما قيل إن هذا التفسير لا تساعده اللغة، فالولاية على هذا، الوراثة المسببة عن القرابة الحكمية. انتهى.
ومراده ب (ما قيل) ما ذكره الرازي في تضعيف تفسير الولاية بالوراثة، حيث قال:
واعلم أن لفظ الولاية غير مشعر بهذا المعنى، لأن هذا اللفظ مشعر بالقرب على ما قررناه في مواضع من هذا الكتاب. ويقال: السلطان وليّ من لا وليّ له، ولا يفيد الإرث. وقال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس: ٦٢] ، ولا يفيد الإرث، بل الولاية تفيد القرب، فيمكن حمله على غير الإرث، وهو كون بعضهم معظما للبعض، مهتما بشأنه، مخصوصا بمعاونته ومناصرته. والمقصود أن يكونوا يدا واحدة على الأعداء، وأن يكون حب كل واحد لغيره جاريا مجرى حبه لنفسه. وإذا كان اللفظ محتملا لهذا المعنى، كان حمله على الإرث بعيدا عن دلالة اللفظ، لا سيما وهم يقولون: إن ذلك الحكم صار منسوخا بقوله تعالى في آخر الآية: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [الأنفال:
٧٥] ، وأي حاجة تحملنا على حمل اللفظ على معنى لا إشعار لذلك اللفظ به، ثم