أي قل لهؤلاء المشركين (الزاعمين أن لله شركاء من خلقه، العابدين معه غيره، ليقربهم إليه زلفى) : لو كان الأمر كما تقولون، وأن معه آلهة تعبد لتقرّب إليه وتشفع لديه، لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه، ويبتغون الزلفى والطاعة لديه، فاعبدوه أنتم وحده كما يعبده من تدعونه من دونه. ولا حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه. فإنه لا يحب ذلك ولا يرضاه. بل يكرهه ويأباه. وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه. هذا ما اختاره ابن كثير، وسبقه إليه ابن جرير.
وحاصله: أن السبيل بمعنى الوسيلة الموصلة إليه. وفيه إشارة إلى قياس اقترانيّ تقريره هكذا: ولو كان كما زعمتم معه آلهة لتقربوا إليه. وكل من كان كذلك ليس إلها، فهم ليسوا بآلهة. وقيل: معنى لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا أي لطلبوا إليه سبيلا بالمغالبة والممانعة، كما هو ديدن الملوك بعضهم مع بعض، على طريقة قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] وهذا الوجه قدمه الزمخشري على الأول. وقال أبو السعود: إنه الأظهر الأنسب لقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
سُبْحانَهُ فإنه صريح في أن المراد بيان أنه يلزم مما يقولونه محذور عظيم، من حيث لا يحتسبون. وأما ابتغاء السبيل إليه تعالى بالتقرب، فليس مما يختص بهذا التقرير، ولا هو مما يلزمهم من حيث لا يشعرون. بل هو أمر يعتقدونه رأسا.
انتهى. ومعنى سُبْحانَهُ أي تنزه عن الولد والشريك تنزها حقيقا به وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً أي تعاظم عن ذلك تعاظما كبيرا. فإن مثل هذه الفرية والبهتان، مما يتنزه عنه مقامه الأسمى.
قال الشهاب: وذكّر العلوّ، بعد عنوانه ب (ذي العرش) . في أعلى مراتب البلاغة. وقوله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً أي تنزّه الله، وتقدسه وتجلّه السموات والأرض ومن فيهن من المخلوقات عما يصفه به المشركون.
وتشهد جميعها له بالوحدانية في إلهيته وربوبيته، كما قال: تَكادُ السَّماواتُ