ثم أشار تعالى إلى مبدأ خلقه الإنسان وتقليبه في أطوار شتى، حتى نما كاملا، وإلى ما خلقه من عالم السماء والأرض، وسخره لمنافعه، ليشكر مولاه ويعبده، كما أمره وهداه، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٢ الى ١٣]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ أي ابتدأنا خلقه مِنْ سُلالَةٍ أي خلاصة مِنْ طِينٍ أي تراب خلط بماء فصار نباتا فأكله إنسان فصار دما ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً أي بأن خلقناه منها، أو ثم جعلنا السلالة نطفة بالتصفية فِي قَرارٍ أي مستقر، وهو رحم المرأة الذي نقل إليه مَكِينٍ أي متمكن لا يمجّ ما فيه.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : آية ١٤]]
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤)
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً أي بالاستحالة من بياض إلى حمرة كالدم الجامد فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً أي قطعة لحم بقدر ما يمضغ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً أي بأن صلبناها وجعلناها عمودا للبدن، على هيئات وأوضاع مخصوصة، تقتضيها الحكمة فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً أي جعلناه محيطا بها ساترا لها كاللباس ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ أي بتمييز أعضائه وتصويره، وجعله في أحسن تقويم فَتَبارَكَ اللَّهُ أي تعاظم قدرة وحكمة وتصرفا أَحْسَنُ الْخالِقِينَ أي المقدّرين. ف (الخلق) بمعنى التقدير كقوله:
ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري
لا بمعنى الإيجاد. إذ لا خالق غيره، إلا أن يكون على الفرض.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٥ الى ١٧]
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧)
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ أي بعد ما ذكر من الأمور العجيبة وتحصيل هذه الكمالات لَمَيِّتُونَ أي لصائرون إلى الموت.