للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفعل كذا حتى سطع الفرقان، أي طلع الفجر. وقيل: فصلا بين الحق والباطل، ومخرجا من الشبهات. كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد: ٢٨] .

والفرقان (كالفرق) ، مصدر (فرق) ، أي فصل بين الشيئين، سواء كان بما يدركه البصر، أو بما تدركه البصيرة. إلا أن الفرقان أبلغ، لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل، والحجة والشبهة.

وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنفال (٨) : آية ٣٠]]

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ لما ذكّر الله تعالى المؤمنين نعمه عليهم بقوله تعالى:

وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ ذكر نبيه صلّى الله عليه وسلّم نعمته عليه خاصة، في حفظه من مكر قريش به ليشكره تعالى في نجاته من مكرهم، واستيلائه عليهم. وذلك أن قريشا، لما أسلمت الأنصار، وأخذ نور الإسلام في الانتشار، فرقوا أن يتفاقم أمره، فاجتمعوا في دار الندوة (وهي دار بناها قصّي بن كلاب ليصلح فيها بين قريش. ثم صارت لمشاورتهم. وهي الآن مقام الحنفيّ. والندوة الجماعة من القوم، وندا بالمكان اجتمع فيه، ومنه النادي) ليتشاوروا في أمره صلّى الله عليه وسلّم. فقال أبو البحتريّ بن هشام: رأيي أن تحبسوه في بيت، وتشدوا وثاقه، وتسدوا بابه، غير كوّة، تلقون إليه طعامه وشرابه منها، وتتربصوا به ريب المنون. وهذا ما أشير إليه بقوله تعالى: لِيُثْبِتُوكَ أي ليحبسوك ويوثقوك، لأن كل من حبس شيئا وربطه فقد جعله ثابتا لا يقدر على الحركة منه. ثم اعترض هذا الرأي شيخ نجدي دخل معهم، فقال: بئس الرأي! يأتيكم من يقاتلكم من قومه، ويخلصه من أيديكم! ثم قال هشام بن عمرو: رأيي أن تحملوه على جمل، وتخرجوه من بين أظهركم، فلا يسركم ما صنع، واسترحتم.

وهذا ما أشير إليه بقوله تعالى: أَوْ يُخْرِجُوكَ، يعني من مكة، ثم اعترض النجدي أيضا بقوله: بئس الرأي! يفسد قوما غيركم، ويقاتلكم بهم. فقال أبو جهل- لعنه

<<  <  ج: ص:  >  >>