للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله (هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) الظاهر- والله أعلم- أنه إنما أراد بذلك قصة تميم وعديّ بن بداء.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ١٠٨]]

ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨)

ثم بيّن وجه الحكمة والمصلحة المتقدم تفصيله بقوله:

ذلِكَ أي: الحكم المذكور أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أي: أقرب إلى أن يؤدي الشهود- أو الأوصياء- الشهادة في نحو تلك الحادثة على حقيقتها من غير تغيير لها، خوفا من العذاب الأخرويّ. ف (الوجه) بمعنى الذات والحقيقة.

قال أبو السعود: وهذه- كما ترى- حكمة شرعية التحليف بالتغليظ المذكور! وقوله تعالى: أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ بيان لحكمة شرعية ردّ اليمين على الورثة، معطوف على مقدر ينبئ عنه المقام كأنه قيل: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة. أو يخافوا أن ترد اليمين على المدعين بعد أيمانهم، فيفتضحوا بظهور الخيانة واليمين الكاذبة، ويغرموا فيمتنعوا من ذلك. وَاتَّقُوا اللَّهَ أي: في مخالفة أحكامه التي منها هذا الحكم، وهو ترك الخيانة والكذب وَاسْمَعُوا أي: ما تؤمرون به سماع قبول وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أي: الخارجين عن طاعته ومتابعة شريعته، أي إلى طريق الجنة أو إلى ما فيه نفعهم.

[وقد استفيد من الآية أحكام:]

الأول- لزوم الوصية حال الخوف من الموت وحضور قرائنه. لأنه تعالى قال حِينَ الْوَصِيَّةِ أي: وقت أن تحق الوصية وتلزم.

الثاني- قال بعضهم: دلّ قوله تعالى: اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ على أن الحكم شرطه أن يشهد فيه اثنان عدلان. وهذا إطلاق لم يفصل فيه بين حقّ الله وحق غيره، ولا بين الحدود وغيرها، إلّا شهادة الزنى. فلقوله تعالى في النور: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ [النور: ٤] ، وهذا مجمع عليه.

قال ابن القيّم في (أعلام الموقّعين) : إنه سبحانه ذكر ما يحفظ به الحقوق من

<<  <  ج: ص:  >  >>