قال أبو السعود: كان الظاهر إيراد هذه الآية، عقيب ما تقدم من النعم المعددة، تكملة لها على طريقة قوله تعالى: وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ [النحل: ٨] ، ولعلّ فصل ما بينهما بقوله: أَفَمَنْ يَخْلُقُ [النحل: ١٧] ، للمبادرة إلى إلزام الحجة، وإلقاء الحجر، إثر تفصيل ما فصل من الأفاعيل، التي هي أدلة الوحدانية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : الآيات ١٩ الى ٢١]
وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ أي من أعمالكم وسيجزيكم عليه وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أي فإنّى تستحق الألوهية، وقد نفي عنها أخص صفاتها؟ فإنها ذوات مفتقرة إلى الإيجاد. أو المعنى: أن الناس يخلقونها بالنحت والتصوير. وهم لا يقدرون على نحو ذلك. فهم أعجز من عبدتهم. كما قال الخليل عليه السلام: أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [الصافات:
٩٥- ٩٦] ، ثم أكد ذلك بأن أثبت لهم ما ينافي الألوهية بقوله: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ أي هي جمادات لا أرواح فيها، فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل. وقوله: غَيْرُ أَحْياءٍ تأكيد أو تأسيس. لأن بعض الأموات مما يعتريه الحياة، سابقا أو لاحقا. كأجساد الحيوان، والنطف التي ينشئها الله تعالى حيوانا. فذا احترز عنه بقوله: غَيْرُ أَحْياءٍ أي لا يعتريها الحياة أصلا. فهي أموات على الإطلاق، حالا ومآلا وَما يَشْعُرُونَ أي تلك الأصنام المعبودة أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أي متى يكون بعثها. وقد روي، أنها تبعث، ويجعل فيها حياة، فتبرأ من عابديها. ثم يؤمر بها وبهم جميعا إلى النار.
وجوز عود الضمير إلى عابديها. أي: وما تشعر الأصنام متى يبعث عبدتهم تهكما بحالها. لأن شعور الجماد محال. فكيف بشعور ما لا يعلمه إلا الله؟ وفيه إشعار بأن معرفته وقت البعث من لوازم الألوهية، وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)
إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ تصريح بالمدعى، وتمحيض للنتيجة، غب إقامة الدليل.