قال ابن كثير: ورواه النسائيّ وابن ماجة من طريق سعيد بن مسلم بن ماهك المدنيّ، وثّقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم. وقد رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة سعيد بن مسلم هذا، من وجه آخر. ثم قال سعيد: فحدّثت بهذا الحديث عامر بن هشام فقال لي: ويحك يا سعيد! لقد حدّثني سليمان بن المغيرة أنه عمل ذنبا فاستصغره، فأتاه آت في منامه، فقال له: يا سليمان!
لا تحقرنّ من الذّنوب صغيرا ... إنّ الصغير غدا يعود كبيرا
إنّ الصغير، ولو تقادم عهده، ... عند الإله مسطّر تسطيرا
فازجر هواك عن البطالة، لا تكن ... صعب القياد وشمّرن تشميرا
إنّ المحبّ إذا أحبّ إلهه ... طار الفؤاد وألهم التفكيرا
فأسأل هدايتك الإله، فتتّئد ... فكفى بربّك هاديا ونصيرا
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القمر (٥٤) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ أي الذين اتقوا عقاب الله بطاعته، وأداء فرائضه، واجتناب نواهيه، فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ أي أنهار. واكتفى باسم الجنس المفرد لرعاية الفواصل.
وقرئ بسكون الهاء، وضم النون، وقرئ بضمهما. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ قال ابن جرير:
أي في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم.
وقال الزمخشريّ: في مكان مرضىّ. قال شراحه: فالصدق مجاز مرسل في لازمه، أو استعارة. وقيل: المراد صدق المبشّر به، وهو الله ورسوله. أو المراد أنه ناله من ناله بصدقه وتصديقه للرسل، فالإضافة لأدنى ملابسة.
عِنْدَ مَلِيكٍ بمعنى ملك. قال الشهاب: وليس إشباعا، بل هي صيغة مبالغة.
كالمقتدر مُقْتَدِرٍ قال القاشانيّ: أي يقدر على تصريف جميع ما في ملكه على حكم مشيئته، وتسخيره على مقتضى إرادته لا يمتنع عليه شيء.
وقال الشهاب: في تنكير الأسمين الكريمين إشارة إلى أن ملكه وقدرته لا تدري الأفهام كنههما، وأن قربهم منه بمنزلة من السعادة والكرامة، بحيث لا عين رأت، ولا أذن سمعت، مما يجل عن البيان، وتكلّ دونه الأذهان.