تبلغهم دعوة رسول ينهاهم عنه، وينبههم على بطلانه، لأنه ينافي الحكمة. وجوز في ذلك أن يكون خبرا لمحذوف. أي: الأمر ذلك. أو مبتدأ وخبره محذوف. أي:
كما ذكر. أو خبره أَنْ لَمْ يَكُنْ ... إلخ. والمشار إليه إتيان الرسل، أو ما قص من أمرهم، أو السؤال المفهوم من قوله لَمْ يَأْتِكُمْ
. واستظهر أبو السعود أن الإشارة إلى شهادتهم على أنفسهم بالكفر، واستيجاب العذاب، وأنه مبتدأ خبره ما بعده، وأن (أن) مصدرية، و (اللام) مقدرة قبلها. أو مخففة، واسمها ضمير الشأن، وبِظُلْمٍ متعلق ب مُهْلِكَ. أي: بسبب ظلم، أو بمحذوف حالا من (القرى) ، أي متلبسة بظلم. والمعنى: ذلك ثابت لانتفاء كون ربك، أو لأن الشأن لم يكن ربك مهلك القرى بسبب ظلم فعلوه قبل أن ينبهوا على بطلانه برسول.
[تنبيه:]
في الآية دليل على أنه لا تكليف قبل البعثة، ولا حكم للعقل. كقوله: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: ١٥] .
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٢]]
وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)
وَلِكُلٍّ أي: من المكلفين دَرَجاتٌ أي: مراتب مِمَّا عَمِلُوا أي: من أعمالهم، يبلغونها ويثابون بها، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشر. واستدل بها، على هذا التأويل، بأن الجن يدخلون الجنة ويثابون.
قال ابن كثير: ويحتمل أن يعود قوله وَلِكُلٍّ لكافري الجن والإنس. أي:
ولكلّ درجة في النار بحسبه، كقوله الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [الأنعام: ١٤] .
وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٣]]
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣)
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ عن جميع خلقه من جميع الوجوه، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ذُو الرَّحْمَةِ أي: يترحم عليهم بالتكليف، تكميلا لهم، ويمهلهم على