وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ قال: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة. وقال سفيان بن عيينة: كل صاحب بدعة ذليل. ثم نبه تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل التوبة من أي ذنب كان، ولو كفرا بقوله:
وَلَمَّا سَكَتَ أي سكن عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ أي التي كان ألقاها من شدة الغضب فتكسرت وَفِي نُسْخَتِها أي فيما نسخ منها، أي كتب.
و (النسخة) فعلة بمعنى مفعول، كالخطبة هُدىً وَرَحْمَةٌ بالشرائع والوصايا الربانية، المرشدة لما فيه الخير والصلاح لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ أي يخشون.
[لطيفتان:]
الأولى: قال أبو السعود: في هذا النظم الكريم، يعني قوله تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ، من البلاغة والمبالغة بتنزيل الغضب، الحامل له على ما صدر عنه من الفعل والقول، منزلة الآمر بذلك، المغرى عليه، بالتحكم والتشديد، والتعبير عن سكونه بالسكوت- ما لا يخفى. انتهى.
وأصله للزمخشري حيث قال: هذا مثل. كأن الغضب كان يغريه على ما فعل، ويقول له: قل لقومك كذا، وألق الألواح، وجرّ برأس أخيك إليك، فترك النطق بذلك، وقطع الإغراء. ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم، وذوق صحيح- إلا لذلك، ولأنه من قبيل شعب البلاغة. وإلا، فما لقراءة معاوية بن قرة (ولما سكن عن موسى الغضب) لا تجد النفس عندها شيئا من تلك الهمزة، وطرفا من تلك الروعة؟ انتهى.
ومراده بالمثل كونه استعارة مكنية، حيث شبه الغضب بشخص آمر ناه، وأثبت له السكوت تخييلا.