قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ أنطقه الله بذلك. أولا تحقيقا للحق في شأنه وتنزيها لله تعالى عن الولد، ردّا على من يزعم ربوبيته ونبوّته آتانِيَ الْكِتابَ أي الإنجيل وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ أي كثير الخير حيثما وجدت. أبلغ وحي ربي لتقوم النفوس وكبح الشهوات والأخذ بما هو مناط السعادات. والتعبير بلفظ الماضي في الأفعال الثلاثة، إما باعتبار ما سبق في القضاء المحتوم، أو جعل الآتي، لا محالة، كأنه وجد وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا أي أمرني بالعبادة وإنفاق المال مدة حياتي.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : الآيات ٣٢ الى ٣٦]
وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا أي مستكبرا عن طاعته وأمره وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ذلِكَ أي الذي فصلت نعوته الجليلة وخصائصه الباهرة عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ أي لا ما يصفه به النصارى. وهو تكذيب لهم، فيما يزعمونه، على الوجه الأبلغ والمنهاج البرهانيّ. حيث جعله موصوفا بأضداد ما يصفونه قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أي: ومن هذا شأنه كيف يتوهم أن يكون له ولد؟