وتضليلهم بصبغهم غير صبغة الدين، ووأدهم ونحو ذلك مما يعصى الله بسببه وَعِدْهُمْ أي المواعيد الباطلة والأمانيّ الكاذبة من سلامة العاقبة ودوام الغلبة وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً وهو تزيين الباطل بزينة الحق إِنَّ عِبادِي أي المخلصين لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي تسلط بالإغواء وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا أي كفيلا لهم يتوكلون عليه ولا يلجئون في أمورهم إلا إليه. وهو كافيهم.
وقد أشار القاشانيّ إلى أن الآية تشير إلى انقسام الناس مع الشيطان على أصناف. وعبارته: تمكن الشيطان من إغواء العباد على أقسام. لأن الاستعدادات متفاوتة. فمن كان ضعيف الاستعداد استفزه. أي استخفه بصوته، يكفيه وسوسة وهمس بل هاجس ولمة. ومن كان قويّ الاستعداد، فإن أخلص استعداده عن شوائب الصفات النفسانية، أو أخلصه الله تعالى عن شوائب الغيرية، فليس له إلى إغوائه سبيل كما قال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وإلا فإن كان منغمسا في الشواغل الحسية، غارزا رأسه في الأمور الدنيوية، شاركه في أمواله وأولاده، بأن يحرّضه على إشراكهم بالله في المحبة. بحبهم كحب الله. ويسوّل له التمتع بهم، والتكاثر والتفاخر بوجودهم. ويمنيه الأمانيّ الكاذبة ويزين عليه الآمال الفارغة. وإن لم ينغمس، فإن كان عالما بصيرا بتسويلاته، أجلب عليه بخيله ورجله. أي مكر به بأنواع الحيل. وكاده بصنوف الفتن. وأفتى له في تحصيل أنواع الحطام والملاذ بأنها من جملة مصالح المعاش. وغره بالعلم وحمله على الإعجاب. وأمثال ذلك حتى يصير ممن أضله الله على علم. وإن لم يكن عالما بل عابدا متنسكا، أغواه بالوعد والتمنية. وغره بالطاعة والتزكية أيسر ما يكون. انتهى.
ثم بين تعالى بعضا من آيات وحدانيته وألوهيته بقوله:
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ أي يسيّر لكم السفن في البحر لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي من رزقه. والآية صريحة في ركوب البحر للتجارة إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً حيث سهل لكم أسباب ذلك.
قال أبو السعود: وهذا تذكير لبعض النعم التي هي من دلائل التوحيد، وتمهيد