للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زعموا- والحال أنه ليس له على زعمهم أيضا صاحبة يكون الولد منها؟ ويستحيل ضرورة وجود الولد بلا والدة، وإن أمكن وجوده بلا والد. وأيضا، الولد لا يحصل إلا بين متجانسين، ولا مجانس له تعالى.

وقوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ جملة مستأنفة، لتقرير تنزهه عنه، والحالية بعدها مؤكدة للاستحالة المذكورة.

وقوله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ جملة أخرى مستأنفة، لتحقيق ما ذكر من الاستحالة. أو حال ثانية مقررة لها. أي: أنى يكون له ولد والحال أنه خلق كل شيء انتظمه التكوين والإيجاد من الموجودات التي من جملتها ما سموه ولدا له تعالى:

فكيف يتصور أن يكون المخلوق ولدا لخالقه؟ - أفاده أبو السعود-.

وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي: مبالغ في العلم أزلا وأبدا. جملة مستأنفة أيضا، مقررة لمضمون ما قبلها من الدلائل القاطعة، ببطلان مقالتهم الشنعاء. أي: أنه سبحانه لذاته عالم بكل المعلومات، فلو كان له ولد، فلا بد أن يتصف بصفاته، ومنها عموم العلم، وهو لغيره تعالى منفيّ بالإجماع.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٠٢]]

ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢)

ذلِكُمُ أي: الموصوف بما سبق، البعيد رتبته عن مراتب من يشارك أو ينسب إليه الولادة، إذ هو اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ أي:

بالإيمان به وحده، فإن من جمع تلك الصفات استحق العبادة وحده. وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أي: رقيب وحفيظ، يدبر كل ما سواه ويرزقهم ويكلؤهم بالليل والنهار.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٠٣]]

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)

قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ جملة مستأنفة، إما مؤكدة لقوله تعالى:

وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ذكرت للتخويف بأنه رقيب من حيث لا يرى فليحذر، وإما هي مؤكدة لما تقرر قبل من تنزهه وتعاليه عن إفكهم أعظم تأكيد، ببيان أنه لا تراه الأبصار المعهودة وهي أبصار أهل الدنيا، لجلاله وكبريائه وعظمته،

<<  <  ج: ص:  >  >>