وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ أي بالنطق والتمييز والعقل والمعرفة والصورة والتسلط على ما في الأرض والتمتع به وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي يسرنا لهم أسباب المعاش والمعاد بالسير في طلبها فيهما، وتحصيلها: وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي فنون المستلذات التي لم يرزقها غيرهم من المخلوقات وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا أي عظيما فحق عليهم أن يشكروا هذه النعم، بأن يعبدوا المتفضل بها وحده ويقيموا شرائعه وحدوده.
[تنبيه:]
ظاهر قوله تعالى:(على كثير) أن ثمة من لم يفضل البشر عليه. قيل وهم الذوات المقدسة من الملأ الأعلى. أعني الملائكة.
قال القاشانيّ: وأما أفضلية بعض الناس، كالأنبياء على الملائكة المقربين، فليست من جهة كونهم بني آدم. بل من جهة السر المودع فيهم المشار إليه بقوله:
إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [البقرة: ٣٠] ، وهو ما أعد لذلك البعض من المعرفة الإلهية التامة. وحينئذ ليس هو بهذا الاعتبار من بني آدم كما قيل:
وإني وإن كنت ابن آدم صورة ... فلي فيه معنى شاهد بأبوّتي
وذهب قوم إلى تأويل (الكثير) ب (الكل) كما أوّل (القليل) بمعنى (العدم) في قوله تعالى: فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ [البقرة: ٨٨] ، والمعنى: وفضّلناهم على الجمّ الغفير ممّن خلقنا أي جميع المخلوقات.
قال القاشانيّ: على أن تكون (من) للبيان والمبالغة في تعظيمه، بوصف المفضل عليهم بالكثرة وتنكير الوصف وتقديمه على الموصوف. أي كثير وأي كثير، وهو جميع مخلوقاتنا. لدلالة (من) على العموم. ولا يخفى أنه لا يلزم من تفضيل جنس على جنس آخر تفضيل كل فرد منه على كل فرد من الآخر. والمسألة معروفة في كتب الكلام.