أي فقامت الحجة عليكم وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ استئناف بالوعيد لهم. أي: فيهلكهم، ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً أي بتوليكم لاستحالته عليه، بل تضرون أنفسكم. أو بذهابكم وهلاككم لا ينقص من ملكه شيء إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي رقيب عليه، مهيمن، فلا تخفى عليه أعمالكم، فيجازيكم بحسبها. أو حافظ حاكم مستول على كل شيء، فلا يمكن أن يضره شيء.
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا أي عذابنا، أو أمرنا بالعذاب، وهو الريح العقيم نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ وقد بيّن في غير آية، منها قوله:
فإن قلت: ما معنى تكرير التنجية؟ فالجواب: لا تكرير فيه، لأن الأول إخبار بأن نجاتهم برحمة الله وفضله، والثاني بيان ما نجوا منه، وأنه أمر شديد عظيم لا سهل، فهو للامتنان عليهم، وتحريض لهم على الإيمان. أو الأول إنجاء من عذاب الدنيا، والثاني من عذاب الآخرة، تعريضا بأن المهلكين كما عذبوا في الدنيا بالسموم، فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ. ويرجح الأول بملاءمته لمقتضى المقام.
وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ تأنيث اسم الإشارة، باعتبار القبيلة. وصيغة البعيد لتحقيرهم، أو لتنزيلهم منزلة البعيد، لعدمهم. وإذا كانت الإشارة لمصارعهم، فهي للبعيد المحسوس. وتعدى الجحود بالباء حملا له على الكفر، لأنه المراد. أو بتضمينه معناه، كما أن (كفر) جرى مجرى (جحد) . فتعدى بنفسه في قوله: كَفَرُوا رَبَّهُمْ [هود: ٦٠] . وقيل:(كفر) ك (شكر) يتعدّى بنفسه وبالحرف. وظاهر كلام القاموس: أن (جحد) كذلك.