للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم. وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا» .

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٣٧]]

فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧)

فَإِنْ آمَنُوا أي أهل الكتاب الذي أرادوا أن يستتبعوكم بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ أي بما آمنتم به على الوجه الذي فصّل. على أن المثل مقحم. وقد قرأ ابن عباس وابن مسعود بما آمنتم به. وقرأ أبيّ: بالذي آمنتم به فَقَدِ اهْتَدَوْا إلى الحق وأصابوه كما اهتديتم. عكس ما قالوا: كونوا مثلنا تهتدوا وَإِنْ تَوَلَّوْا أي أعرضوا عن الإيمان بما آمنتم به. فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ أي فما هم إلا في خلاف وعداوة وليسوا من طلب الحق في شيء.

قال القاضي: ولا يكاد يقال في المعاداة على وجه الحق أو المخالفة التي لا تكون معصية إنه شقاق. وإنما يقال ذلك في مخالفة عظيمة توقع صاحبها في عداوة الله وغضبه ولعنه، وفي استحقاق النار، فصار هذا القول وعيدا منه تعالى لهم، وصار وصفهم بذلك دليلا على أن القوم معادون للرسول، مضمرون له السوء، مترصدون لإيقاعه في المحن، فعند هذا أمنه الله تعالى من كيدهم وأمن المؤمنين من شرهم ومكرهم فقال: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ تقوية لقلبه وقلب المؤمنين لأنه تعالى إذا تكفل بالكفاية في أمر حصلت الثقة به. وقد أنجز وعده بقتل قريظة وسبيهم «١» وإجلاء بني النضير «٢» وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أتبع وعده بالنصر والكفاية، بما يدل على أن ما يسرون وما يعلنون من أمرهم لا يخفى عليه تعالى. فهو يسبب لكل قول وضمير


(١)
أخرج البخاري في: المغازي، ٣٠- باب مرجع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومقاتلته إياهم: عن أبي أمامة قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ رضي الله عنه يقول: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ. فأرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى سعد. فأتى على حمار. فلما دنا من المسجد قال للأنصار «قوموا إلى سيدكم» أو «خيركم» فقال «هؤلاء نزلوا على حكمك» فقال: تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريّهم. قال «قضيت بحكم الله» وربما قال «بحكم الملك»
. (٢) أخرج البخاريّ في: المغازي، ١٤- حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حاربت النضير وقريظة. فأجلى بني النضير وأقرّ قريظة ومنّ عليهم.
حتى حاربت قريظة. فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين. إلا بعضهم لحقوا بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فآمنهم وأسلموا. وأجلى يهود المدينة كلهم: بني قينقاع، وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بني حارثة، وكلّ يهود المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>