يخبر تعالى عن المشركين في قولهم غير ما نقل عنهم قبل من المقالة الشنعاء، وكذبهم وبهتهم أن الرسول إنما يعلمه هذا الذي يتلوه من القرآن، بشر. يعنون رجلا أعجميا كان بين أظهرهم يقرأ في الكتب المتقدمة. ربما يتحدث معه النبيّ صلى الله عليه وسلم أحيانا. وإنما لم يصرح باسمه للإيذان بأن مدار خطئهم ليس بنسبته صلوات الله عليه إلى التعلم من شخص معين بل من البشر، كائنا من كان. ثم أشار تعالى وضوح بطلان بهتهم، بأن لسان الرجل الذي ينسبون إليه التعليم أعجمي غير بيّن. وهذا القرآن الكريم لسان عربي مبين. ذو بيان وفصاحة. ومن أين للأعجمي أن يذوق بلاغة هذا التنزيل، وما حواه من العلوم، فضلا أن ينطق به، فضلا أن يكون معلما له! وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٥]
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٠٥)
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ تهديد لهم على كفرهم بالقرآن، بعد ما أماط شبهتهم وردّ طعنهم فيه. وقوله تعالى: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ ردّ لقولهم إنما أنت مفتر. وقلب للأمر عليهم، ببيان أنهم هم المفترون لا هو. يعني إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن، لأنه لا يخاف عقابا يردعه عنه، وقوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ إشارة إلى الذين لا يؤمنون، ويدخل فيهم قريش دخولا أوليا. أي الكاذبون في الحقيقة ونفس الأمر. أو الكاملون فيه. لأنه لا كذب أعظم من تكذيب آياته تعالى، والطعن فيها بأمثال هاتيك الأباطيل. ولا يخفى ما في الحصر، بعد القصر، من العناية بمقامه صلوات الله عليه. وقد كان أصدق الناس وأبرّهم وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا. معروفا بالصدق في قومه، لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يدعى بينهم إلا ب (الأمين محمد) . ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم «١» أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها، من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان فيما قال له: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا. فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس، ويذهب فيكذب على الله تعالى.
(١) أخرجه البخاريّ في: بدء الوحي، ٦- حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، والحديث طويل ينبغي الوقوف عليه.