للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البتة فصح ضرورة أن الكافر يسبح، إذ هو من جملة الأشياء التي تسبح بحمد الله تعالى. وإن تسبيحه ليس هو قوله (سبحان الله وبحمده) بلا شك. ولكن تنزيه الله تعالى بدلائل خلقه وتركيبه عن أن يكون الخالق مشبها لشيء مما خلق. وهذا يقيني لا شك فيه.

فصح بما ذكرنا أن لفظة (التسبيح) هي من الأسماء المشتركة، وهي التي تقع على نوعين فصاعدا. انتهى كلامه.

ومحصله نفي أن يكون للجمادات تسبيح وتمييز بالمعنى الموجود في الإنسان. وهو حق لا شبهة فيه ولا يسوغ لأحد إنكاره. إلا أنه لا ينفي أن يكون له تسبيح وفيه تمييز يناسبه. فيرجع الخلاف لفظيا. وقد وافق العلم الحديث الآن- كما قاله بعض الفضلاء- على أن في الجماد أثرا من الحياة. وأن فيه جميع الصفات الجوهرية التي تميز الأحياء. وأن ما فيه في الجواهر الفردة ودقائق المادة ليست ميتة، بل هي عناصر حية متحركة لها صورة من صور الحياة الدنيا المشاهدة في جميع أنواع المادة مثل الجذب والدفع. والتأثر بالمؤثرات الخارجية، وتغير قوة التوازن، وتجمع الدقائق على أشكال منتظمة، طبقا لتراكيب محدودة. وإفراز مركبات كيماوية مختلفة. وبالجملة فما يقوله العلم الجديد عن مشابهة الأجسام غير الحية للأجسام الحية يطابق تصورات الأقدمين والشعراء في ذلك. انتهى.

وقوله تعالى: إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً أي حيث لم يعاجلهم بالعقوبة. مع كفرهم وقصورهم في النظر. ولو تابوا لغفر لهم ما كان منهم.

ثم مثل تعالى حالة المشركين مع التنزيل الكريم، حينما يقرؤه عليهم الرسول، صلوات الله عليه، يدعوهم إلى العمل بما فيه من التوحيد، ورفض الشرك وغير ذلك من ضلالهم، بمن طمس على بصيرته وبصره وسمعه، بقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٥]]

وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥)

وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ أي على هؤلاء المشركين جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي لا يصدقون بالبعث ولا يقرّون بالثواب والعقاب، جزاء على الأعمال حِجاباً مَسْتُوراً أي من الجهل وعمى القلب. فيحجب قلوبهم عن أن يفهموا ما تقرؤه عليهم فينتفعوا به، عقوبة منّا لهم على كفرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>