يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ هذا خطاب لبعض الصحب، وحظر عليهم أن يدخلوا منازله صلّى الله عليه وسلّم بغير إذن.
كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام. و (إلى) متعلق ب (يؤذن) بتضمين معنى الدعاء، للإشعار بأنه لا ينبغي أن يدخلوا على الطعام بغير دعوة، وإن تحقق الإذن. كما يشعر به قوله تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ أي غير منتظرين وقته، وإدراكه.
قال ابن كثير: أي لا ترقبوا الطعام إذا طبخ، حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه. وهذا دليل على تحريم التطفل. وهو الذي تسميه العرب الضيفن. وقد صنف الخطيب البغداديّ في ذلك كتابا في ذم الطفيليين. وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها. انتهى.
وأقول: قد يكون معنى قوله غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ نهيا لهم أن يدخلوا- مع كونهم مأذونا لهم ومدعوين- قبل الميعاد المضروب لهم حضورهم فيه، عجلة وانتظارا لنضج الطعام. فإن ذلك مما يؤذي قلب صاحب الدعوة، لشغل هذه الحصة معهم بلا فائدة، إلا ضيق صدر الداعي وأهله، وشغل وقته وتوليد حديث، وتكلفا لكلام لا ضرورة له، وإطالة زمن الحجاب على نسائه. وما ذلك إلا من شؤم التعجيل قبل الوقت. ولذلك قال تعالى وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا أي إذا دعيتم إلى الدخول في وقته. فادخلوا فيه لا قبله ولا بعده. ف (لكن) استدراك من النهي عن الدخول، مع الإذن المطلق الذي هو الدعوة بتعليم أدب آخر. وإفادة شرط مهم، وهو الإشارة إلى أن للدعوة حينا ووقتا يجب أن يراعى زمنه، وهذا المنهيّ عنه لم يزل يرتكبه ثقلاء القرويين ومن شاكلهم من غلظاء المدنيين الذين لم يتأدبوا بآداب الكتاب الكريم