للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً، أي: لا يستحيي منه عند أحد من الناس. فآل الأمر إلى أن المعنى: لا تواعدوهن إلا مالا يستحيى من ذكره فيسر وهو التعريض فنصّت هذه الآية على تحريم التصريح. بعد إفهام الآية الأولى لذلك، اهتماما به لما للنفس من الداعية إليه- أفاده البقاعيّ.

وقال الرازيّ: لما أذن تعالى في أول الآية بالتعريض ثم نهى عن المسارّة معها دفعا للريبة والغيبة، استثنى عنه أن يساررها بالقول المعروف. وذلك أن يعدها في السرّ بالإحسان إليها، والاهتمام بشأنها، والتكفّل بمصالحها حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة مؤكدا لذلك التعريض، والله أعلم.

[تنبيه:]

ما قدمناه من أنّ قوله تعالى وَلكِنْ ... إلخ، استدراك من قوله فِيما عَرَّضْتُمْ قاله أبو البقاء.

وجعل الزمخشريّ المستدرك محذوفا دلّ عليه سَتَذْكُرُونَهُنَّ، أي:

فاذكروهنّ ولكن لا تواعدوهن سرا.

قال الناصر: وقويت دلالة هذا المذكور على ما حذف. لأن المعتاد في مثل هذه الصيغة ورود الإباحة عقيبها. ونظير هذا النظم قوله تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ... [البقرة:

١٨٧] الآية، ولهذا الحذف سرّ- والله أعلم- وهو أنّه اجتنب لأن الإباحة لم تنسحب على الذكر مطلقا. بل اختصت بوجه واحد من وجوهه. وذلك الوجه المباح عسر التميز عمّا لم يبح. فذكرت مستثناة بقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً تنبيها على أن المحل ضيق والأمر فيه عسر، والأصل فيه الحظر. ولا كذلك الوطء في زمن ليل الصوم. فإنه أبيح مطلقا غير مقيد فلذلك صدر الكلام بالإباحة والتوسعة.

وجاء النهي عن مباشرة المعتكفة في المسجد تلوا للإباحة وتبعا في الذكر. لأنها حالة فاذّة. والمنع فيها لم يكن لأجل الصوم ولكن الأمر يتعلق به من حيث المصاحب، وهو الاعتكاف. فتفطّن لهذا السرّ فإنه من غرائب النكت.

وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ، (العقدة) بالضم من النكاح وكل شيء من البيع ونحوه، وجوبه. قال الفارسيّ: هو من الشد والربط. وقال الرازيّ:

أصل العقد الشدّ. وسميت العهود والأنكحة عقودا لأنها تعقد كما يعقد الحبل.

وذكر العزم مبالغة في النهي عن عقد النكاح. لأن العزم على الفعل يتقدمه. فإذا نهى

<<  <  ج: ص:  >  >>