للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مزيد قوة لا تفوت بفوات المال، ومنافع أخر فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ أي انتفعوا بنصيبهم، ثم أعطاكم أيها المنافقون أقل مما أعطاهم فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أي دخلتم في الباطل، كالخوض الذي خاضوه، أو كالفوج الذي خاضوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أي لم يستحقوا عليها ثوابا في الدارين، أما في الآخرة فظاهر، وأما في الدنيا فما لهم من الذل والهوان وغير ذلك وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أي الذين خسروا الدارين.

روى ابن جريج عن أبي هريرة قال «١» : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: والذي نفسي بيده! لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وباعا بباع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ أهل الكتاب؟ قال: فمن؟

وفي رواية قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم القرآن: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ... الآية (قال أبو هريرة: الخلاق: الدين) قالوا: يا رسول الله! كما صنعت فارس والروم؟ قال: فهل الناس إلا هم؟

وهذا الحديث له شاهد في الصحيح- أفاده ابن كثير-.

[لطيفة:]

قال الزمخشري: فإن قلت: أي فائدة في قوله فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ؟ وقوله كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ مغن منه، كما أغنى قوله كَالَّذِي خاضُوا عن أن يقال: وخاضوا فخضتم كالذي خاضوا؟ قلت: فائدته أن يذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا، ورضاهم بها، والتهائهم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة، وطلب الفلاح في الآخرة، وأن يخسس أمر الاستمتاع، ويهجن أمر الراضي به، ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم، كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول: أنت مثل فرعون، كان يقتل بغير جرم، ويعذب ويعسف، وأنت تفعل مثل فعله. وأما وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا فمعطوف على ما قبله مستند إليه، مستغن، باستناده إليه، عن تلك التقدمة.

ثم وعظ تعالى المنافقين بقوله:


(١) الحديث أخرجه ابن جرير الطبري في التفسير، ١٠/ ١٧٦.
وشاهده
في الصحيح ما أخرجه البخاري في: الاعتصام، ١٤- باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «لتتبعن سنن من كان قبلكم» ، الحديث رقم ٢٥٨٩
.

<<  <  ج: ص:  >  >>