[البقرة: ١١١] . مِنْ دُونِ النَّاسِ اللام للجنس أو للعهد وهم المسلمون فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ فسلوا الموت إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وتمنى سرعة الوصول إلى النعيم والتخلص من الدار ذات الأكدار، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالموت. والذي يتوقف عليه المطلوب لا بد وأن يكون مطلوبا، نظرا إلى كونه وسيلة إلى ذلك المطلوب. والمراد بالتمني هنا هو التلفظ بما يدل عليه كما أشرنا إليه، لا مجرد خطوره بالقلب وميل النفس إليه، فإن ذلك لا يراد في مقام المحاجّة ومواطن الخصومة ومواقف التحدي لأنه من ضمائر القلوب. وثمّ تفسير آخر للتمني بأن يدعوا إلى المباهلة والدعاء بالموت. وإليه ذهب ابن جرير. والأول أقرب إلى موافقة اللفظ. وقوله:
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً من المعجزات لأنه إخبار بالغيب. وكان كما أخبر به.
كقوله وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة: ٢٤] . بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ بما أسلفوا من أنواع العصيان. واليد مجاز عن النفس. عبّر بها عنها، لأنها من بين جوارح الإنسان، مناط عامة صنائعه. ولذا كانت الجنايات بها أكثر من غيرها. ولم يجعل المجاز في الإسناد، فيكون المعنى بما قدموا بأيديهم، ليشمل ما قدموا بسائر الأعضاء وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ أي بهم. تذييل للتهديد. والتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم، ونفيه عمن سواهم. ونظير هذه الآية في سورة الجمعة قوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [الجمعة: ٦- ٧] .
وقد تلطف الغزاليّ في توجيه الإتيان ب «لن» هنا و «لا» في سورة الجمعة بأن الدعوى هنا أعظم من الثانية، إذ السعادة القصوى هي الحصول في دار الثواب، وأما مرتبة الولاية فهي، وإن كانت شريفة إلا أنها إنما تراد ليتوسل بها إلى الجنة. فلما كانت الدعوى الأولى أعظم، لا جرم بيّن تعالى فساد قولهم بلفظ «لن» لأنها أقوى الألفاظ النافية. ولما كانت الدعوى الثانية ليست في غاية العظمة اكتفى في إبطالها بلفظ «لا» لأنه ليس في نهاية القوة، في إفادة معنى النفي. والله أعلم.
ولما أخبر تعالى عنهم أنهم لا يتمنون الموت، أتبعه بأنهم في غاية الحرص على الحياة بقوله: