جميلا، وترك إيذائهم. وقول الزمخشريّ: أي أعرض عن دعوة من رأيته معرضا عن ذكر الله ... إلخ- لا يصح. لأن الصدع بالحق لا تسامح فيه، لا سيما والدعوة للمعرضين، وهي تستلزم أن يحاجوا به بمنتهى الطاقة لقوله تعالى: وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً [الفرقان: ٥٢] ، وإنما معنى الآية: فاصفح عنهم ودع أذاهم في مقابلة ما يجهلون به عليك، كما بين ذلك في مواضع من التنزيل، والقرآن يفسر بعضه بعضا.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النجم (٥٣) : آية ٣٠]]
ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ يعني أمر الدنيا منتهى علمهم، لا علم لهم فوقه.
ومن كان هذا أقصى معارفه، فما على داعيه إلا الصفح عنه، والصبر على جهله.
و (مبلغ) اسم مكان مجازا، كأنه محل وقف فيه علمهم ادعاء- كما حققه الشهاب- والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها من قصر الإرادة على الحياة الدنيا، ثم علل الأمر بالإعراض بقوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى أي: ولا بد أن يعاملهم بموجب علمه فيهم، فيجزي كلّا بما يقتضيه عمله، وتقديم العلم بمن ضل، لأنهم المقصودون من الخطاب، والسياق فيهم. وقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النجم (٥٣) : آية ٣١]]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تنبيه على سعة ملكه، وعظمة قدرته، وأن ما فيهما من قبضته، فلا يعجزه جزاء هؤلاء الفجرة، كما قال: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى أي بالمثوبة الحسنى، وهي الجنة ثم بيّن صفات هؤلاء المحسنين، بقوله سبحانه:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النجم (٥٣) : آية ٣٢]]