وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ أي خوف الغرق: ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ أي ذهب عن أوهامكم وخواطركم كل من تدعونه وتعبدونه، إلّا إياه وحده. فإنكم لا تذكرون سواه. فطرة فطر الله الخلق عليها.
وهذه الآية مما يستدل بها على الرجوع إلى الفطرة الصحيحة. وقد استدل لكثير من الأصول بها، كما يعلم ذلك من كلام الأئمة في مسائل شتى. كمسألة وجود الخالق وعلوّه، والمعاد وغيرها. وقوله تعالى: فَلَمَّا نَجَّاكُمْ أي من الغرق:
إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ أي عن التوحيد: وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً أي بأنعم الله. والجملة كالتعليل للإعراض. قال الشهاب: وفيه لطف. حيث أعرض عن خطابهم بخصوصهم. وذكر أن جنس الإنسان مجبول على هذا. فلما أعرضوا أعرض الله عنهم. ثم خوفهم تعالى بقدرته العظيمة، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٨ الى ٦٩]
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أي يغوّره بكم أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً أي ريحا ترمي بالحصباء يرجمكم بها، فيكون أشدّ عليكم من الغرق: ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا أي من يتوكل بصرف ذلك عنكم أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ أي يقوّي دواعيكم لركوب البحر تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ أي ريحا شديدة لا تمر بشيء إلا قصفته، فتكسر السفينة وسط البحر فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً أي مطالبا بما فعلنا. مثل من يطالب على مغرق سوانا. وهذا كقوله: وَلا يَخافُ عُقْباها [الشمس: ١٥] .