للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أطاعوه فيما سوّل لهم فقد عبدوه. كما قال تعالى أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ [يس: ٦٠] وقال تعالى بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ: ٤١] والمريد المتمرد العاتي الطاغي.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١١٨]]

لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨)

لَعَنَهُ اللَّهُ صفة ثانية ل (شيطانا) أي: أبعده الله عن رحمته. فأراد إبعاد من أبعد بسببه وَقالَ حين أبعد لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ أي: الذي أبعدتني بسببهم أي: لأجعلن لي منهم نَصِيباً أي: حظّا مَفْرُوضاً أي: مقطوعا ومقدرا من عبادتهم بأن يعبدوا غيرك، أو يراءوا فيها، أو يعجبوا بها، أو يتلفوها في المظالم، أو يحبطوها بالكفر بعدها.

قال العلامة أبو السعود. قوله تعالى وَقالَ إلخ عطف على الجملة المتقدمة أي: شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله، وهذا القول الشنيع الصادر عنه عند اللعن.

ولقد برهن على أن عبادة الأصنام غاية الضلال بطريق التعليل بأن ما يعبدونها ينفعل ولا يفعل فعلا اختياريا. وذلك ينافي الألوهية غاية المنافاة. ثم استدل عليه بأن ذلك عبادة للشيطان وهو أفظع الضلال من وجوه ثلاثة: الأول- أنه منهمك في الغيّ لا يكاد يعلق بشيء من الخير والهدى. فتكون طاعته ضلالا بعيدا عن الحق. والثاني- أنه ملعون لضلاله. فلا تستتبع مطاوعته سوى اللعن والضلال. والثالث- أنه في غاية السعي في إهلاكهم وإضلالهم. فموالاة من هذا شأنه غاية الضلال، فضلا عن عبادته.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١١٩]]

وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩)

وَلَأُضِلَّنَّهُمْ أي: عن الهدى وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ أي: الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال. قال الرازيّ: إن الشيطان لما ادعى أنه يضل الخلق قال وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وهذا يشعر بأنه لا حيلة له في الإضلال أقوى من إلقاء الأماني في قلوب الخلق. وطلب ما يورث شيئين: الحرص والأمل. والحرص والأمل يستلزم أكثر

<<  <  ج: ص:  >  >>